لم يكن إعلان مصر البدء فى العمل بقانون مكافحة الإغراق رقم 61 لسنة 1998 ، ثم لائحته التنفيذية رقم 549 والصادرة بتاريخ الرابع والعشرون من أكتوبر لسنة 1998 سوى حماية الإقتصاد المصرى من الآثار الناجمة عن الممارسات الضارة فى التجارة الدولية مع عدم الإخلال بالأحكام المنصوص عليها فى الإتفاقات التى تضمنتها الوثيقة الختامية لنتائج جولة أورواجواى. وتعد مصر من الدول أعضاء منظمة التجارة العالمية W.T.O
التى تطبق كافة المعايير والضوابط المنصوص عليها فى التجارة الدولية ، بل ومن أقل الدول التى يتم رفع قضايا إغراق ، أو دعم ، أو وقاية عليها
**
إغراق المسطحات على الساخن
لم تكن لجنة الإغراق بالمفوضية الأوروبية موفقه فى الاستجابة لمطالب جمعية منتجى الصلب الأوربية وإعلانها بدء التحقيقات فى قضية إغراق المسطحات المدرفله على الساخن وإتهام 4 دول من بينها مصر بإغراق أسواق الإتحاد الأوروبى بواردات مغرقه نتيجة بيعها بأسعار تقل عن أسعارها ببلد المنشأ بناءً على الشكوى التى تقدمت بها جمعية منتجو الصلب الأوربية ، ووضعت المفوضية الأوربية إنتاج مصر وسعر تصديرها ، وإنتاج الهند ثانى أكبر منتج فى العالم بعد الصين وسعر تصديرها ، وكذلك اليابان وفيتنام وهما من أكبر دول العالم إنتاجا وتصديرا فى قفص واحد وقضية واحدة وإتهام واحد ، وهو إتهام مجحف وظالم لسبب بسيط وهو الفارق الشاسع بين أسعار تكلفة إنتاج الصلب المسطح “HRC
فى مصر .
شهدت مصر خلال الثلاث سنوات الأخيرة تعويم لعملتها النقدية ثلاث مرات مما أدى إلى تدهور قيمة الجنيه المصرى مقابل الدولار ، حيث وصل سعر الدولار لنحو 50جنيها ، فى حين كان سعر الدولار عام 2014 لا يتجاوز 14 جنيها على أقصى تقدير ، أما الروبية الهندية ، والين اليابانى ، والديوانغ الفيتنامى وهى عملات الدول المتهمه بإغراق أسواق الإتحاد الأوروبى بالمسطحات الساخنه ، فلم تتغير قيمتها أمام الدولار وبالتالى تكلفة إنتاج مسطحات الصلب وكل منتجات الصلب الأخرى لديهم ثابته لم تتغير على مدار الثلاث سنوات الماضية ، بينما زادت تكلفة إنتاج المسطحات المدرفلة علي الساخن فى مصر لأكثر من 40% نتيجة التقلبات الشديده التى حدثت لقيمة العمله المصرية أما الدولار واليورو على وجه التحديد
**
مُدخلات الإنتاج
تعد صناعة الصلب المصرية من الصناعات التى تعتمد بنسبة لا تقل عن 90% على الخامات المستوردة مثل خام الحديد ، والبليت ، والخرده التى لا يوجد منها سوى 10% فى السوق المحلى ولا تكفى على الإطلاق لتشغيل 5% من مصانع الصلب فى مصر .
كما تتحمل مصانع الصلب خاصة العملاقه أمثال العز ، السويس ، بشاى ، المراكبى تكلفه باهظه عند شراء الغاز من الشركات الحكومية حيث تشترى المليون وحده حرارية بنحو 5.75 دولار ، ولكى ينتج المصنع الواحد طن واحد من الحديد ، أو المسطحات أو اللفائف فهو يحتاج إلى 13 مليون وحده حرارية من الغاز تصل تكلفتها إلى 65 دولار مع الإشاره إلى أن مرحلة الإختزال فى مصانع العز تحتاج 11 مليون وحده حرارية من الغاز ، اما مرحلة الصهر فتحتاج إلى 0.6 مليون وحده حرارية ، اما مرحلة الدرفله فتحتاج 1.3 مليون وحده حرارية وهذا يوضح الفارق الشاسع فى تكاليف الإنتاج الباهظه فى المصانع المتكامله مثل العز والسويس وبشاى والمراكبى وبقية المصانع الأخرى مع إختلاف تشكيلة الإنتاج والطاقات الإنتاجية والتصديرية بين كل مصنع وآخر ، يتبين من ذلك أن الغاز يعد أحد أهم مدخلات إنتاج المسطحات فى مجموعة العز وليس مجرد طاقه يتم حرقها ..هناك أيضا تكلفة الإضافات فى الإنتاج التى تتحملها مجموعة العز مثل الحراريات والإضافات الأخرى التى تحقق خواص الحديد ، بالإضافه إلى قطع الغيار ، والآلات والمعدات الميكانيكية وغالبيتها يتم إستيرادها بالدولار أو اليورو ، ويمكننا أن نجزم الآن بناءً على تكلفة شراء الخامات المستورده من خام حديد ، وبيلت، وخرده ، ونولون شحن ، وسعر غاز وآلات ومعدات مستورده ، وحراريات أن مُدخلات إلأنتاج ” الدولارية” تمثل مالايقل عن 50% من تكاليف إنتاج المسطحات المدرفله على الساخن تحديدا فى مجموعة العز ..بقى أن نؤكد على عدة حقائق خاصة بتسعير المسطحات فى مصر المنتجه فى مصانع العز بالإسكندرية والسويس وهى :
أولا :
تسعير المسطحات فى السوق المحلى تخضع فى المقام الاول لتكاليف الإنتاج
ثانيا:
أن غالبية الخامات يتم إستيرادها بالدولار واليورو ، وأسعار الخامات ترتفع من وقت لآخر على مدار العام وعلى سبيل المثال لا الحصر ، إذا نظرنا إلى سعر خام الحديد اليوم بالبورصات العالمية ستجده إرتفع إلى أكثر من 101 دولار بزياده لا تقل عن 6% مع تعاملات الاسبوع الماضى ، كما إرتفع سعر خام البليت إلى نحو 20 دولار عن اسعار الاسبوع الماضى حيث كان لا يتعدى 520 ، و530 دولار للطن .
اما بالنسبة لعملات النقد الاجنبى التى الإستيراد بها ، فقد إرتفعت اسعار صرفها بشكل رهيب على مدار الثلاث سنوات الأخيره .
ثالثاً :
تضطر مجموعة عز إلى التصدير والبيع بأسعار منافسه فى الأسواق الأوربية حتى تستطيع توفير الدولار واليورو لشراء وإستيراد مستلزمات الإنتاج وجميعنا يعلم الأزمة العنيفه فى سوق الصرف ، وأى شركه أو مجموعة صناعية إذا كانت لديها نفس الالتزامات الرهيبه كما فى مجموعة العز بداية من براند المنتجات ومكانتها المحلية والعالمية وأهمية الحفاظ علي هذه المكانه الكبيره على المستويين المحلى والعالمي، مرورا بحجم العماله الضخم جدا ، والإلتزامات تجاه الدوله من دفع ضرائب وأسعار طاقه ومحروقات وإنتهاء بشراء خامات ومستلزمات إنتاج بأرقام رهيبة من الخارج ، ما تفعله مجموعة العز ، وستضطر مجبره إلى البيع فى أسواق التصدير بأسعار تنافسية حتى تستطيع أن تكتب لنفسها البقاء .
خلاصة القول ، أرى أن بعض نصوص قوانين التجارة الدولية تكون مجحفه وظالمه مثل قوانين الإغراق لأنها تغفل ربما عن عمد الوضع الإقتصادى العام خاصة فى بلدان العالم النامى ، فإذا نظرنا إلى تعريف الإغراق فى القانون الدولى سنجده عباره عن تصدير منتج ما إلى بلد ما بسعر تصدير أقل من قيمته العادية فى مجرى التجارة العادى ، كما يتم تعريف سعر التصدير بأنه السعر المدفوع أو الواجب دفعه ثمنا لهذا المنتج من قبل المستورد ودون تحميله بأى تكاليف أو رسوم أو نفقات تزيد على ما يتحمله عند البيع للاستهلاك المحلى فى دولة المنشأ أو التصدير ..إذا نظرنا إلى قوانين الإغراق سنجدها عباره عن نصوص وحسابات وأرقام من واقع الدفاتر وكأنك أمام جريمه جنائية تستدعى المحاكمه امام محكمة العدل الدولية بالاهاى! ..إن قوانين السماء ثم القوانين الوضعية خلقت وشُرعت من أجل الإنسان ومعيشته وحريته وحقوقه وآدميته ولذا ، كان يجب أن تراعى هذه القوانين الأوضاع الإقتصادية والمعيشية للبلدان الفقيره والاشد فقرا ، فلا تقل لى ولا تحاول أن تقنعنى أن صناعة الصلب فى اوروبا إنهارت ، أو ستنهار ، وأن المنتجون فى اوروبا سيعلنون إفلاسهم لمجرد أن أحمد عز أو أى شركة أخرى فى مصر قامت بتصدير بضعة اطنان من المسطحات للسوق الاوروبى بسعر تصديرى تنافسى حتى تستطيع تدبير عمله للاستمرار فى الإنتاج ؟!
للأسف الشديد حسابات الإغراق لا تخلو من سياسة القوه وقوانين النظره الفوقيه الإستعلائية!