وماذا بعد؛ أسئلة عديدة يموج بها الواقع الإقليمى المضطرب، فما بين السيناريوهات المتوقعة وتقديرات الموقف لتصاعد العدوان الإسرائيلى على لبنان، ومدى احتمال حزب الله اللبنانى واحتوائه للهجوم الإسرائيلى المتصاعد على الجنوب اللبنانى، ومتى يصل إلى نقطة الانهيار؟ إلى آخر هذه التساؤلات المتعلقة بالتطورات الميدانية لعدوان متواصل على مدار الساعة، لكن يبقى السؤال الأهم، وعلامة الاستفهام الكبرى، السؤال الأكثر جدلا على وسائل الإعلام العالمية والعربية، والأكثر بحثا على محركات البحث الإلكترونية، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي؛ هل تخلّت إيران عن حزب الله؟ خاصة بعد الخطاب الإيرانى الذى يبدو متخاذلا تجاه الحزب والعدوان على لبنان بشكل عام.
فهل تركت إيران حزب الله وحيداً فى مهب الرياح الإسرائيلية؟
لكنى أحب أن أثير هذا السؤال بشكل مختلف، وعبر عدة تساؤلات، هل يكون حزب الله القشة التى تقود المنطقة لحافة الهاوية عبر حرب إقليمية مفتوحة؟ وماذا جنت الحرب فى غزة من محور الإسناد والمقاومة؟ هل نجح حزب الله فعليا وميدانيا فى تخفيف الضغط العسكرى عن جبهة غزة؟ من يدفع الثمن لبنان، أم حزب الله، أم المنطقة بأكملها؟ هل يتمتع حزب الله بالمسئولية الوطنية تجاه لبنان؟ أم مصلحة طهران تعلو على مصلحة لبنان؟
على الجانب الآخر؛ مفهوم تماما البواعث والأهداف الإسرائيلية من التصعيد وتجاوز قواعد الاشتباك فى الجبهة اللبنانية؛ سواء فيما يتعلق بتوجيه التركيز عن جبهة غزة والتغطية على الفشل العسكرى الواقع بها خاصة الفشل فى استعادة الرهائن لدى حماس والفصائل من خلال العمليات الحربية. أو بالنسبة لحالة التوافق والتقارب فى المواقف بين مختلف أطياف المجتمع والقوى السياسية والحزبية داخل إسرائيل حول ضرورة التعاطى الرادع مع حزب الله، ومن ثم إيران، وأن الفرصة قد لا تسنح مرة أخرى من خلال مقاربة إسرائيلية لتصفية وحسم الصراع العربى الإسرائيلى من خلال تصفية الفاعلين المسلحين من غير الدول وتقويض قدراتهم، وعلى رأسهم حزب الله اللبنانى، وحماس الفلسطينية.
هذه المقاربة تحديدا تجاه حزب الله هى مقاربة مزدوجة تشمل حزب الله وإيران معا باعتبار الحزب أبرز أدوات الردع الإيرانية فى مواجهة إسرائيل. وبالتالى الدعم الداخلى متوافر لحكومة نتنياهو من أجل استعادة الردع مع حزب الله.
قد نتفهم موقف حماس من هجمات السابع من أكتوبر كحركة مقاومة تجابه سلطة احتلال، رغم الثمن الباهظ الذى دفعه القطاع. لكن ما لا أفهمه موقف حزب الله فى ضوء حالة الانكشاف السياسى والاقتصادى، الأمنى والعسكرى الذى تعانى منه لبنان منذ عام 2019 التى كان حزب الله جزءاً منها، وطرفا فاعلا رئيسيا فى تلك الأزمة باعتباره «الثلث المعطل».
فى مقاله الاستشرافى المهم؛ الذى جاء تحت عنوان «جولة الصراع بين الميليشيات وإسرائيل: جردة أولية» يذهب الكاتب والدبلوماسى جمال أبوالحسن إلى أن «النقد الذاتى، والحال هذه، ضرورى لاستخلاص العبر وتجنب الأخطاء فى المستقبل. وهو فضيلة مطلوبة فى كل نشاط بشرى ينطوى على جهد جماعى لتحقيق الأهداف، فما بالنا بالنضال المُسلح والعمل العسكرى، الذى يُفضى إلى إزهاق الأرواح وتكبيد المجتمعات تضحياتٍ لا تتحملها الأجيال الحالية، بل المستقبلية أيضًا».
ورغم أن مقال أبو الحسن والذى هوجم عليه بضراوة من أصحاب العاطفية والرومانسية السياسية، كان يتعلق بالأساس بمراجعة أولية لحساب المكاسب والخسائر الناجمة عن هجمات السابع من أكتوبر وما تبعها من عدوان إسرائيلى على قطاع غزة؛ إلا أننى أراه مراجعة ضرورية لكافة الميليشيات والفاعلين المسلحين من غير الدول فى فلسطين، لبنان، والسودان، ليبيا وسوريا، والعراق. وتحديدا ما يتصل بمسئولياتها الوطنية تجاه الدولة الوطنية، وتداعيات مواقف البعض منها التى قد تأتى على حساب استقرار الأوطان والشعوب حتى على مستوى دول الجوار.
حان الوقت لتلك الفصائل والميلشيات أن تراجع مواقفها وتضبط مواقفها بما يناسب الصالح الوطنى للدول واستقرار المنطقة؛ لأنه لا أحد يخوض معارك نيابة عن أحد. الكل يخوض معاركه الخاصة لأهدافه وصالحه الخاص، فلا يخدعنك أحد أنه يخوض معركة تضامنا مع أحد أو لصالح قضية. حروب القضايا القومية انتهت دون عودة.. والواقعية تحكم.