يعمل باحثون كويتيون على توثيق العمل الخيري ببلادهم على مدار أربعة قرون مضت وحتى اليوم، حيث تأسس في الكويت مركز متخصص حمل عنوان “مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني”، مهمته توثيق تلك لأعمال من خلال البحوث والإصدارات التي تتنوّع ما بين النشرت والكتب والدوريات.
رحلة الحج فى الكويت
عرفت الكويت الحج على مدار القرون الماضية، وتحمل أهلها مشقة الذهاب إلى بيت الله الحرام، منذ أن كان المسير إليه عبر الإبل في دروب الصحراء أو عن طريق البحر وكانت تستغرق رحلة الحاج أكثر من ثلاثة شهور، ثم أتت من بعد ذلك السيارة فالطائرة.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور يوسف خالد الشطي، مدير مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني، انه خلال تاريخ الكويت مع الحج تأسست مئات حملات الحج الكويتية، وكانت بدايتها عن طريق الإبل والسير في دروب الصحراء الموحشة وغير الآمنة أحيانا، أو عبر ركوب البحر، وتحمل الكويتيون الأوائل مشقة تأدية تلك الفريضة، ثم تطورت الحملات عقب استخدام السيارات التي حلت محل الإبل والبحر معا، لتستمر إلى يومنا هذا بعد أن توفرت الرحلة بالطائرة . التي غيرت مسار رحلة الحج كليا، ووصلت الأيام بعد أن كانت شهوراً.
وقد تنبّه باحثون كويتيون لأهمية الأعمال التطوعية الكويتية في موسم الحج على مدار قرون مضت، حيث شارك الباحثون: عدنان سالم الرومي، وصالح خالد المسباح، والدكتور خالد يوسف الشطي، وقاموا بتوثيق تلك الأعمال وجمعها في كتاب صدر بعنون “الأعمال الخيرية الكويتية في موسم الحج”.
واستحضر الكتاب الجهود الكويتية الإنسانية المتتابعة لرعاية الحجاج سواء المقدمة لأهل الكويت أو المارين بها، حيث يُشير الكتاب إلى أن تلك الجهود لم تقف عند عمل الحملات التطوعية، فحسب بل كان لمؤسسات الدولة الرسمية دور مهم فيها، وأنه في عام ١٩٥٦ تأسست البعثة الطبية الكويتية التي تولت الإشراف على الخدمات الصحية للحجاج، ثم تأسست بعثة الحج الكويتية عام ١٩٧٦ للإشراف على شؤون الحج لتيسير الأمر على ضيوف بيت الله الحرام بتعاون وتنسيق بين المؤسسات الحكومية.
وتوثق فصول وصفحات الكتاب الصادر عن مركز الكويت لتوثيق العمل لإنساني (فنار)، الجهود التي قدمتها مؤسسات النفع العام الأهلية والخيرية الكويتية كل بحسب تخصصها في خدمة حجاج بيت الله الحرام، وكذلك قيام الجمعيات الخيرية بتحمل نفقة الحجاج غير القادرين سواء في الكويت أو الدول الأخرى.
ونتعرّف من خلال فصول وصفحات الكتاب، كيف أن أبنــاء الكويــت حكامــا ومحكومـيـن ضربوا أروع الأمثلة في العطــاء والتطــوع والعمــل لإنساني، وذلك منذ تأسيس الكويت في عام ١٦۱۳ إلى يومنا هذا، وكيف تطوع عدد من أبناء الكويت الموسرين بالتبرع لإرسال حجاج إلى بيت الله الحرام، وكان الذهاب سابقا لأداء مناسك الحج حلماً صعب المنال، لصعوبة الطريق ووعورته، وطول الطريق ومشقة السفر.
ويدلنا الكتاب على أن ممن تطوعوا بذلك السيد المحسن مرزوق الداوود البدر، الذي تكفل بنفقة الحج لعدد من العلماء.
ووثق الكتاب الكثير من الروايات التي تحكي عن قيام الأغنياء بالذهاب للحج في قوافل تضم العشرات من الحجاج ممن لا يستطيعون توفير نفقات السفر لآدء تلك الفريضة، حيث كان الأغنياء يخرجون على رأس قوافل لآداء فريضة الحج وفي صحبتهم أعداد من الحجاج غير القادرين، وذلك في قوافل برية ورحلات بحرية حيث يتكفل هؤلاء الأغنياء بنفقات حج كل من يصحبونهم في تلك القوافل والرحلات من غير القادرين.
حيث حج المرحوم عبد الرحمن الرومي أحد تجار الكويت الأخيار عام ١٣٢٤ هـ في قافلة مكونة من مائة من الإبل، وكل من كان في تلك الرحلة أدوا المناسك على نفقة “لرومي”، كما كان كلما مر على منطقة وهو في طريقه إلى بلاد الحجاز كان يفرق فيها الصدقات حتى وصل إلى مكة.
وكذلك المحسن راشد عبدالله الفرحان، الذي كان يقوم في كل عام بتقديم يد العون للراغبين في حج بيت الله الحرام من الكويت وغيرهم عن طريق البحر.
كما كان المحسن صبيح براك الصبيح، يحج عاماً ويبقى عاماً، وكان يصطحب خلال العام الذي يحج فيه بعض أقاربه وأصدقائه، كما كان يتكفل بنفقات عدد من الحجاج الفقراء من غير الكويتيين.
وكذلك قيام بعض أهل الخير في الكويت بتسيير رحلات صغيرة إلى الحج على نفقتهم الخاصة.
وبحسب كتاب “الأعمال الخيرية الكويتية في موسم الحج”، فقد تطور الوضع في هذه الأيام حيث تقوم الجمعيات الخيرية بالإعلان عن رغبتها باستلام تبرعات من أهل الخير لحج بعض الفقراء سواء كان ذلك من داخل الكويت أو خارجها، كما أسس عدد من أبناء الكويت حملات حج يتم صرف أرباحها على أعمال البر، كما تقوم الجمعيات الخيرية الكويتية بإرسال حجاج من دول العالم للحج إلى بيت الله الحرام على نفقة محسنين من دولة الكويت.
ووثق الكتاب كذلك، الأعمال التطوعية والخيرية الفردية في خدمة الحجاج، وكيف أن أبناء المجتمع الكويتي قدموا كأفراد دوراً بارزاً في رعاية شؤون الحجاج من خلال عدة أدوار راغبين في خدمة زوار البيت الحرام، وملتمسين الأجر والثواب من رب العالمين.
ومن هذه الأدوار التي قدمها أبناء الكويت في خدمة الحج، والتي وثقها لنا الكتاب، دور العلماء والدعاة، ووفقاً للكتاب، فقد ساهم علماء ودعاة الكويت – منذ القدم في ترغيب أبناء الكويت لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو ركن الحج وذلك من خلال المحاضرات والخطب والدروس، وتأليف الكتب والإصدارات التي تحث الناس على أداء تلك الفريضة.