التهجير من غزة إلى الضفة

هو الاقتحام الأكبر للضفة منذ 24 عاماً عدداً وعتاداً وتسليحاً؛ منذ انتفاضة الأقصى عام 2000، وعملية «السور الواقى» 2002. تكتيكياً؛ هناك تخوف إسرائيلى متزايد من اتساع نطاق المقاومة فى الضفة الغربية بما يعنى 7 أكتوبر جديدة.
عسكرياً؛ آلة الحرب الإسرائيلية تستعرض قوتها وتغطى على فشلها أمام حكومة اليمين المتطرف التى تهاجم القيادة العسكرية، وتتهمها بالفشل، وتحملها مسئولية ما حدث فى السابع من أكتوبر، وبالتالى اقتحام الضفة محاولة من القيادة العسكرية لتروى ظمأ صقور اليمين المتطرف المتعطشة دائماً وأبداً للدماء.
استراتيجياً؛ اقتحام الضفة هو عودة إلى مخطط «خطة الحسم» الذى قامت عليه حكومة نتنياهو السادسة فى 29 ديسمبر 2022، وهو المخطط الناجم عن اتفاق بين مكونات أحزاب أقصى اليمين المتطرف بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريش زعيم الحزب الصهيونى الدينى، وإيتمار بن غفير زعيم حزب العظمة اليهودية ونتنياهو. هذا المخطط ينقل إسرائيل من مرحلة «إدارة الصراع» إلى مرحلة «حسم الصراع»، هذه الخطة تقوم على أربع مراحل، هى: إحداث فوضى بالضفة الغربية وتضييق الخناق على مواطنى الضفة والمخيمات، وثانياً إسقاط السلطة الفلسطينية من خلال الضغط عليها مالياً وسياسياً وأمنياً، لذلك لا عجب فى أن المسئول عن الضفة فى الحكومة الإسرائيلية هو وزير المالية نفسه، أما ثالث مراحل المخطط الإسرائيلى فتشتمل على تصفية الحركة القومية الفلسطينية من خلال استهداف عناصرها سواء بالتصفية أو بالاعتقال. والمرحلة الرابعة والأخيرة والأخطر تقضى بترحيل وتهجير مواطنى الضفة.
لذلك عاد مصطلح «الوطن البديل» لسكان الضفة فى الأردن كما هي الحال مع سكان غزة فى مصر يتردد مرة أخرى فى الخطاب السياسى الإسرائيلى، وأنه لا دولة فلسطينية فى الضفة، ولا حكم فلسطينياً فى الضفة، بما يعنى فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية المحتلة وإجهاض أى أمل فى دولة فلسطينية مستقلة، من خلال توطين اللاجئين والمهجرين قسرياً حيث يقيمون، وأنه لا حاجة للقدس عاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة، وبالتالى إعفاء إسرائيل من مسئولياتها كسلطة احتلال، والإقرار والتسليم بكل إجراءات الاحتلال من تهويد وطمس للهوية العربية فى الأراضى المحتلة، لذلك حديث بن غفير عن كنيس فى المسجد الأقصى ليس من قبيل المصادفة، وكذلك إلغاء كل قرارات الشرعية الدولية التى تشكل مرجعية سياسية للقضية الفلسطينية، وما يترتب على ذلك من هدم للركن السياسى والقانونى للقضية الفلسطينية.
إذن فكرة «الوطن البديل» القائمة على التهجير القسرى، هى مكون رئيسى فى العقيدة السياسية والعسكرية والاستراتيجية لحكومة إسرائيل السابعة والثلاثين، كتصور نهائى لتصفية القضية الفلسطينية دون إنهاء احتلال أو التنازل عن أراضٍ أو إخلاء مستوطنات. لذلك الضفة كانت البداية لذلك المخطط وليس غزة، لكن هجمات السابع من أكتوبر جعلت غزة هى بؤرة التركيز، رغم ذلك إسرائيل تعتبر أن اللحظة الراهنة هى الأفضل والأنسب لخيار تصفية القضية الفلسطينية من خلال طرح «الوطن البديل».
لكن كل المخططات تفشل وتسقط أمام مصر، والقيادة المصرية كانت متيقظة ومتحسبة للمخطط الإسرائيلى منذ بداية العدوان على غزة، والموقف المصرى كان متوقعاً للمسلك الإسرائيلى السياسى الإسرائيلى والعسكرى، لذلك كان التأكيد المصرى الدائم على ضرورة شمولية الحل، وأن أية ترتيبات نهائية لابد أن تتضمن «حلاً سياسياً لكل فلسطين» لا لغزة فقط، وهو الحل القائم على الدولتين، دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو، وعاصمتها القدس.