الذئاب المنفردة تمزق «الشاباك»

من ثلاثية «الحجر والسكين والدهس» إلى المسافة صفر
مصرع عشرات الإسرائيليين.. و«نتنياهو» يفقد السيطرة على غزة
 

لن تكون عملية الرملة التى وقعت فى قلب القدس بتفخيخ سيارة أسفرت عن مصرع واصابة 16 إسرائيليا، هى الأخيرة فى سلسلة عمليات «الذئاب المنفردة» من قبل بعض الفلسطينيين فى الداخل المحتل، سبقتها عدة عمليات للدهس بمختلف مناطق المستعمرات تزامنا مع العملية التى شهدتها الحدود الفلسطينية المحتلة مع الأردن والتى نفذها سائق الشاحنة الأردنى «ماهر ذياب الجازى» وأسفرت عن مصرع 3 إسرائيليين بمسدسه من المسافة صفر، سبقتها حوادث أخرى حدودية مع الأراضى الفلسطينية المحتلة تمزق جهاز الأمن العام الإسرائيلى «الشاباك».
ويعيش الكيان الصهيونى هاجسا أمنيا كبيرا منذ أكتوبر 2015 بسبب عمليات الطعن بالسكاكين والهجمات بالأسلحة النارية التى يستهدف بها مقاومون فلسطينيون الإسرائيليين فرادى وجماعات، مثل عملية تل أبيب التى استهدفت مركزا تجاريا قرب وزارة الدفاع الإسرائيلية يوم 8 يونيو 2016.
ويختصر سكين «مهند الحلبى» الذى فجّر ثورة السكاكين فى العام 2015، وسلاح «أشرف نعالوة» المشهد كله والذى استنزف قوات النخبة؛ فالأوّل، ابن الـ20 عاماً، أقسم بالثأر لصديقه الشهيد ضياء التلاحمة، مدفوعاً بانتهاكات الأقصى حينها. توجه إلى شارع الواد بالبلدة القديمة فى القدس المحتلة، وطعن مستوطناً، ثم طعن آخر وسلبه سلاحه، وأفرغه فيه، وأصاب آخرين، ليقتل منهم اثنين، ويصيب 3 بجراح متفاوتة قبل أن يتمكَّن جنود الاحتلال من إصابته فى عملية طعن أشعلت الانتفاضة الثالثة.
أما الشهيد «أشرف نعالوة» ابن الـ23 عاماً من طولكرم، أو ما يعرف بـ«الشبح»، فقد قتل مستوطنين بسلاح «كارولو» المصنع يدوياً عام 2000 فى مستوطنة بركان، ثم ابتلعته الأرض، وبدأت رحلة مطاردة امتدت 68 يوماً، من منزل إلى منزل، ومن مخبأ إلى آخر، وتحول بعدها إلى مهمّة وطنية لإيوائه، ليتمكَّن الاحتلال أخيراً من القبض عليه فى أحد منازل مخيم عسكر، عقب اشتباك مسلَّح بينه وبين قوات اليمام نال الشهادة بعدها، لكن المسافة بين تنفيذ العملية، مروراً بالمطاردة، ثم القبض عليه فى النهاية إذ نفَّذ الاحتلال 3500 عملية مداهمة للوصول إلى نعالوة، وجند 20 ألف جندى، واستنفر خلالها 14 فصيلاً فى حصيلة تكاليف لتحركاته وأجهزة مخابراته بلغت 15 مليون دولار أمريكى لحفظ ماء وجهه بعد كسر «نعالوة» لهيبة الاحتلال الاستخباراتى.
ويؤدى غياب أى بنية تنظيمية للمهاجمين أو توفر معلومات بشأنهم إلى فشل جهاز الأمن الإسرائيلى فى تتبعهم أو التنبؤ بهويتهم أو معرفة طبيعة ما سيقدمون عليه. وهو ما جعل وسائل الإعلام الإسرائيلية تدق ناقوس الخطر من هؤلاء «الذئاب المنفردة» الجدد.
أما فى حالة العمليات التى تقوم بها «الذئاب المنفردة» فإن أجهزة الأمن تفقد المعلومات الكافية التى تمنحها السيطرة والتحكم فى مجريات العمليات والمسارعة بإحباطها، لأنها فى مواجهة عمليات فردية لا تستطيع توقع أين وكيف ستحصل؟ وليس لديها سجل معلوماتى عن منفذيها، ولا طرف خيط كفيل بإحباط ما سيأتى منها فى قادم الأيام لأن المخطط لكل عملية هو منفذها.
يأتى ذلك فى الوقت الذى كشفت فيه صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية بأن حكومة  الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو قالت للمحكمة العليا إن قواته لا تزال تتعرض لمقاومة فى غزة من تحت الأرض وفوقها. مما يدل على انفراط العقد الأمنى للاحتلال.
وتقول صحيفة واشنطن بوست الأمريكية إن هناك نوعين من «الذئاب المنفردة» هما «المجنون» و«الشرير»، وتستشهد الصحيفة على ذلك بالطبيب النفسى الأميركى نضال حسن الذى أطلق النار فى قاعدة «فور هود» العسكرية وقتل 13 عسكريا عام 2009، ورفض الاعتراف بأنه «مذنب».
ووصفت الصحيفة الأمريكية فى عام 2015 ظاهرة «الذئاب المنفردة» بالكابوس الجديد، بينما قالت صحيفة «ديلى تليجراف» البريطانية إن منع «الذئاب المنفردة» من ارتكاب «أعمال إرهابية» يمثل التحدى الأكبر للأجهزة الأمنية فى العالم ولا سيما الغرب. ويؤكد المحلل العسكرى لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أن هجمات «الذئاب المنفردة» المنفذة منذ عام 2014 تشكل «أغلبية العمليات الفتاكة الكبيرة فى الغرب المعاصر، وإلى حد ما فى روسيا أيضا».
وتعود الخطورة فى الظاهرة إلى أن الأجهزة الأمنية فى أى دولة تتدرب عادة على سبل مراقبة وإحباط العمليات التى قد تنفذها هيئة منظمة لها قيادة تخطط ومجندون ينفذون، ولها بصمة واضحة تُعرف بها وتساعد فى مراقبتها إن تحركت والوصول إليها إن نفذت، كما يمكن ردعها بضرب قواعدها وقيادتها وممتلكاتها.
وبينما يستمر النقاش فى إسرائيل حول السيطرة المستقبلية على قطاع غزة سواء فى الرأى العام أو فى غرف صنع القرار، وفى رد آخر على المحكمة العليا التى ناقشت الالتماس المحيط بمسألة المساعدات الإنسانية لسكان غزة، فإن إسرائيل لا تحتفظ بسيطرة فعلية على أراضى قطاع غزة
وبحسب لغة الرد، «حتى اليوم، تتمتع حماس بالقدرة على ممارسة صلاحياتها الحكومية فى القطاع»، وفق ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت».
وجاء ذلك فى رد إضافى على عريضة قدمتها منظمات من بينها «جيشا – مركز حماية الحق فى التنقل»، و«جمعية الحقوق المدنية»، و«أطباء من أجل حقوق الإنسان». التى قدمت التماسا ضد الدولة بسبب الوضع الإنسانى فى قطاع غزة خلال الحرب.
وقد أجرى القضاة بالفعل عدة مناقشات حول هذه القضية فى الأشهر الأخيرة ويطلعون من وقت لآخر على الوضع فى قطاع غزة، لكنهم لم يقرروا بعد مصير الالتماس.
وبحسب الرد المحدث للدولة، «يمكن القول باختصار إن تواجد جيش الدفاع الإسرائيلى فى هذا الوقت محدود، سواء من حيث طبيعته أو من حيث انتشاره فى المناطق المحددة داخل قطاع غزة، بما لا يسمح بالرقابة الفعالة وممارسة السلطة الحكومية داخلها».
وأفادت التقارير بأنه «طوال فترة الحرب، عملت القوات فى مناطق مختلفة من القطاع وفقا لحاجة عسكرية ملموسة لفترة محدودة، وبعد ذلك بوقت قصير انسحبت منها. وذلك خلال عملياتها فى الشمال فى الأشهر الأولى من الحرب، وأثناء عملياته فى منطقة خان يونس ومنطقة رفح.
ولم تتمكن من السيطرة بشكل فعال على المناطق التى كانت تعمل فى فيلادلفيا. وهى مناطق لا يوجد بها سكان على الإطلاق، وبالتالى فهى لا تمنح إسرائيل سيطرة فعالة.
ولم تهدأ الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة خلال الفترة الماضية، على الرغم من الدعوات الدولية والأممية لوقف الحرب. وبلغ عدد الشهداء الفلسطينيين خلال الساعات الماضى 160 فى عدة مجازر.