النهج الوسطي الذي لا يعرف الإقصاءأو شيطنة تلقتها جماهير الأمة بالقبول

أكد شيخ الأزهر أن السبيل العلمي الذي يضمن تأسيس روح الوحدة بين المسلمين واستمرارها، هو النهج التعليمي الوسطي المنفتح، الذي لا يعرف الإقصاء ولا شيطنة المخالفين، ولا الإدانة الجاهزة لمذاهب إسلامية تلقتها جماهير الأمة بالقبول ولا تزال تستمسك بها إلى يوم الناس هذا.

وأضاف شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها جامعة العلوم الإسلامية الماليزية USIM، بمناسبة منح فضيلته الدكتوراة الفخرية في دراسات القرآن والسنة، أنه كتب علينا نحن المسلمين في الآونة الأخيرة أن نوضع جميعا -بإسلامنا ونبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام- في قفص الاتهام، من قبل مؤسسات غربية سياسية ودينية، واتهم الإسلام زورا وبهتانا -أو جهلا- بأنه دين العنف والتطرف والسيف والحرب، وهي تهم قديمة بالية، كنا نظن أن العقل الغربي المعاصر قد تخطاها بعد ما توفرت لديه الحقائق والوثائق العلمية والتاريخية الشاهدة على زيف هذه الادعاءات.

وأوضح شيخ الأزهر أنه قد بذلت جهود ومحاولات كثيرة من أجل توضيح الحقيقة على الجانبين؛ الغربي والإسلامي، لكنها لم تؤت ثمارها المرجوة؛ لعـقبات كثيرة، أهمها: عقبة التعميم المعيب من بعض الغربيين الذين يعممون أحكامهم المسيئة على الإسلام والمسلمين، انطلاقا من تصرفات فئة شاردة، انحرفت بفهم الإسلام؛ إما إلى حرفية شديدة الانغلاق والتزمت، وإما إلى عنف مسلح، اتخذته أسلوبا في التعبير ومنهجا في الحوار.

وأشار شيخ الأزهر إلى أن بعض المسلمين في الشرق لم يتخلصوا من هذا العيب حين وضعوا الغرب كله في سلة واحدة، ونظروا إليه على أنه شر مستطير وعدو متربص بالإسلام والمسلمين، تجب مواجهته، وتحين الفرص لتحجيـم آثـاره قدر المستطـاع، معبرا عن أمله في أن تكون هبة شباب الجامعات الأوروبية والأمريكية لنصرة القضية الفلسطينية في غزة تسهم بشكل كبير في تجاوز هذه العقبة، وتكشف لنا عن منابع الخير في نفوس الأحرار في العالم.

وأشار شيخ الأزهر إلى عقبة أخرى نتفهمها نحن المسلمين؛ وهى: أن بعض الغربيين يتوجس خيفة من تكاثر الجاليات الإسلامية، والخشية من غلبة أنماطها الثقافية على الشارع الغربي، مؤكدا أننا يمكن أن نتغلب على هذه العقبة إذا ما اقتنع العقلاء في الغرب والشرق بأن الإسلام بطبيعته دين له تجارب تاريخية معلومة في تجاور الحضارات، وتعدد الأديان والتشريعات والطقوس والأنظمة الاجتماعية تحت سماء الدولة الواحدة، دون إقصاء لهذه الحضارات، أو إزاحتها، أو حتى مزاحمتها.

واستشهد فضيلته بمؤسسات الإسلام العلمية –وفي طليعتها الأزهر الشريف– لنتأمل الرسالة التي تحملها، والتي تتمثل في المقام الأول في أمرين، أولهما: الحفاظ على وحدة المسلمين وجمع كلمتهم. والسلام الداخلي والإقليمي ثم العالمي؛ وذلك انطلاقا من أن رسول الإسلام قد أرسله الله رحمة للعالمين: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، فلا بد أن ينال الناس في الشرق والغرب نصيبهم من هذه الرحمة المهداة، التي يجسدها هذا النبي الرحيم بقوله: «إنما أنا رحمة مهداة»، وثانيهما: تجربة الأزهر الشريف في تعليم الدين: نصوصا وعقائد وقيما وأحكاما، والتي أكدت أنه كلما اتسع نطاق النظر، وتنوعت مصادر الفكر، ولم يقتصر الباحث على مورد واحد من مشارب الفكر، أو مفكر واحد من أهل النظر والاجتهاد، أو حتى على مدرسة واحدة ومذهب واحد بعينه، كلما كان الأمر كذلك أمن طالب العلم من خطر التشدد، وخطل التعصب، واكتسب رحابة صدر ومرونة فكر، تعينه على الخيار الصحيح، والاقتناع الراسخ بما يهدي إليه الدليل وتسلم إليه الحجة.

ومنحت جامعة العلوم الإسلامية الماليزية USIM، الدكتوراة الفخرية في دراسات القرآن والسنة، لفضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، حيث سلمها لفصيلته سمو ولي العهد السيد، تونكو علي رضاء الدين، ولي عهد ولاية نجري سمبيلان بماليزيا، بحضور السيد، داتؤ سري أنور إبراهيم، رئيس وزراء ماليزيا، والبروفيسور محمد رضا وحيدين، رئيس جامعة العلوم الإسلامية الحكومية الماليزية USIM، ولفيف من الوزراء والعلماء والأساتذة والباحثين والطلاب الماليزيين.