كم عدد القتلى فى لبنان بحلول الوقت الذى تنتهى فيه العملية البرية «المحدودة» الإسرائيلية والضربات المرافقة لها؟ لقد لقى أكثر من ألف شخص مصرعهم فى الأسبوعين الماضيين، بمن فى ذلك النساء والأطفال. وأصبح مليون شخص بلا مأوى فى بلد كان يكافح بالفعل من أجل العمل. وبعيداً عن منع المزيد من الصراع، فإن الهجوم البرى الإسرائيلى يمهد الطريق لمزيد من العنف. ومع حلول ليل يوم الثلاثاء، أطلقت إيران وابلاً من الصواريخ على إسرائيل ما يقرب من مائتى صاروخ، وفقاً لإذاعة الجيش الإسرائيلى والتى وصفها الحرس الثورى بأنها انتقام لمقتل زعماء حزب الله وحماس. ولقى ثمانية أشخاص على الأقل حتفهم عندما فتح مسلحون النار على محطة للسكك الحديدية الخفيفة فى يافا.
لقد بدت العملية الإسرائيلية، فى البداية على الأقل، على نطاق أصغر مما توقعه كثيرون. ولكن التأثير لن يقتصر على مقاتلى حزب الله الذين تستهدفهم. إن إصدار الأوامر للمدنيين بالمغادرة لا يعفى الجيش من التزاماته تجاههم بموجب القانون الدولى. لقد استخدمت إسرائيل مصطلح «محدود» أثناء عمليات رفح، ولكن النتيجة هناك لم تكن مختلفة عن الدمار الذى شهدته غزة. إن العمليات «المحدودة»، عندما تتكرر، تصبح شيئاً أكبر. والعمليات «المحدودة» تخضع لتوسع فى المهام، سواء عن قصد أو بغير قصد ولا تحدد إسرائيل وحدها نتائجها.
إن هذه لحظة جديدة وخطيرة بالنسبة للبنان والشرق الأوسط، ولكنها تذكرنا بما حدث فى لبنان. ويبدو أن بنيامين نتنياهو لا يملك خطة طويلة الأجل فى ذهنه، ولا استراتيجية واضحة للخروج. وربما تكون عودة السكان الإسرائيليين إلى منازلهم فى الشمال، مع دفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطانى كما نص على ذلك قرار الأمم المتحدة رقم 1701، كافية لكسبه انتخابات أخرى. أما ما إذا كان هذا الوضع قابلاً للاستمرار من دون احتلال إسرائيلى، فهذه مسألة أخرى.
أن خطر التورط فى لبنان لا يزال قائما. وربما تعتقد أن اختراقها الاستخبارى الاستثنائى للجماعة ومراقبتها قد أزال خطر المفاجآت العسكرية غير المرغوب فيها. ومع ذلك، لا تزال قوات الدفاع الإسرائيلية تقاتل فى غزة، وقد كثفت غاراتها فى الضفة الغربية، وضربت أهدافا للحوثيين فى اليمن بما فى ذلك الحديدة، الميناء الضرورى لواردات المساعدات. ويبدو أن الحوثيين استأنفوا بالفعل هجماتهم على الشحن فى البحر الأحمر.
إن الشىء الوحيد الذى قد يحد من هذه العملية هو وقف شحنات الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل. ولكن واشنطن تبرر استمرار تدفق الأسلحة بالتظاهر بدعم عملية تعرف أنها متهورة وأنها كانت تعتقد أنها نجحت فى تجنبها.
فى الأسبوع الماضى، قال رئيس الوزراء الإسرائيلى للجمعية العامة للأمم المتحدة إن بلاده ستعيد تشكيل الشرق الأوسط، وبناء شراكة سلام مع جيرانها. لكن المملكة العربية السعودية ودول أخرى أوضحت أنها لا تستطيع ولن تسعى إلى التطبيع فى ظل هذه الظروف. إنهم ليسوا حريصين على مساعدة إسرائيل ضد الصواريخ الإيرانية مرة أخرى.