الوحي المزعوم لغلاة الصوفية

الصُّوفِيَّة أو التَّصَوُّف هو طريقة وليست مذهبًا، وإنما عند بعضهم هو أحد مراتب الدين الثلاثة الإسلام، الإيمان، الإحسان.. وصحيح أن هناك بعض المتصوفة وربما الغالبية منهم ترى أن التصوف بمفهومه البسيط الناصع هو زهد في بريق الدنيا ومغرياتها، وبساطة في العيش والحياة، والتخلق بأسمي الصفات الإنسانية من تواضع ومحبة وسكينة، وإخلاص في العبادة لله.

وصولا للذوبان في محبة الذات العليا والتعامل مع الخالق بيقين إننا ان لم نكن نراه فإنه يرانا، ووفقا لذلك فإن كل من يحب الظهور ويتأنّق في مظهره ويُفرط في تلوين ملبسه وتنميق هيئته، فهو ببساطة ليس صوفيًا، ولا يصح الظن بأنه شيخ صوفي..

 

فالتصوف جوهر ينأى تمامًا عن المظهر، ويدافع بعض أقطابهم بأن التصوف لا صلة له بالطرق الصوفية، ولا تشابه بينهما إلا في أوهام العوام من الناس.. فالتصوفُ نزعة إنسانية فردية كامنة في النفوس، وقد تتوهّج أو تنطفيء بحسب وعي صاحبها.. 

وأما الطرقُ الصوفية فهي فولكلور شعبي وتنظيم اجتماعي وربما يؤدي الي شبهة الشرك في انقياد المريدين للقطب الصوفي صاحب المكانة والكرامة، ولا يجوز القياس بالعبد الصالح الذي رافق سيدنا موسي لانه عبد آتاه الله رحمة من عنده وعلمه من لدنه علمًا.

بل إن النزعة الصوفية لا علاقة لها بدين معين لكن التجارب الصوفية تكتسي بالطابع الثقافي السائد في هذا المجتمع أو ذاك، فتسمى عندنا تصوف، وعند اليهود تسمى قبّالا، وعند المسيحيين تسمى رهبنة، وعند الهنود تسمى نُسُك، وعند غيرهم تسمى روحانية.. 

 

غير أن المبدأ الأساسي للصوفية هي أن تعاليم الإسلام القرأنية تدل على إمكانية الوصول إلى الله عن طريق تجربة شخصية ذاتية من دون الإعتماد على الفلسفة العقلية، والتي تؤدي إلى المعرفة الحق المطلقة. 

 

وهذا يدل أن الصوفي يعتقد بوجود ملكة شخصية تمكن الإنسان من توفير المعرفة غير العقل المنطقي.. ومن هنا نشأت الاختلافات ووصلت لحد تكفيرهم واتهام بعضهم بالالحاد، ففي العقيدة نعرف أنها القرأن والسنة، لكن في التصوف تثبت العقيدة بالإلهام والوحى المزعوم للأولياء والاتصال بالجن الذين يسمونهم الروحانيين، وبعروج الروح إلى السماوات، وبالفناء في الله، وانجلاء مرآة القلب حتى يظهر الغيب كله.. 

حتي أن كثيرين من الفقهاء اتهموا ابن الفارض بأنه من أهل الإلحاد القائلين بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود، وذلك لأنه يزعم أنه منذ القدم كان الله، ثم تلبس بصورة النفس، فأرسل بصفته وجودًا متجردًا رسولًا إلى نفسه بصفته وجودًا مقيدًا بالتعين، فهو الرسول، والمرسل والمرسل إليه، كان كذلك حتى وهو في غاية الأزل!

وكان ذلك نفس مصير الحلاج وابن عربي، وعلي حد علمي أن القرآن والسنة ليس فيهما لفظة صوفى اللهم إلا هؤلاء النفر المعروفين بأهل الصوفية الذين تفرغو للعبادة في مسجد النبى صلى الله عليه وسلم، وإليها ينسب المتصوفين من المسلمين.. 

 

وغير ذلك فمصطلح التصوف دخيل على الإسلام من الثقافات الأخرى التى كانت قبل الإسلام وترجمها المسلمون فوجدوها تتوافق مع المرتبة الثالثة من مراتب الدين، الإسلام، وهي علي التوالى الإيمان والإسلام والإحسان.. 

 

 

والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك، وكانت البداية في تأثر المسلمون الأوائل بفلسفات الدول التي وصلوا إليها كاليونان وبلاد فارس والهند، وكان من الطبيعي أن ينبهروا بها وقاموا بإستخدامها في تفسير القرأن والسنة، وربما كان ذلك هو المدخل في ظهور الفرق والمذاهب والطوائف والجماعات.. 

رغم وضوح وبساطة المنهج النبوي (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي) ولهذا قال الله تعالي في اختيار الإنسان لحمله الأمانة وخلافة الأرض “وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا”.. والمتصوفة الحقيقيون يعترفون ويندمون ويتوبون ويذوبون حبا في الله الرحمن الرحيم العفو الغفور!