«بلينكن التاسعة».. الزيارة الأكثر فشلاً !!

تصحيح مسار

يتضح لنا عمليا أن الإدارة الأمريكية غير جادة فى إدارة ملف مفاوضات صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار فى غزة، ففى كل جولة تفاوضية نجد أنه يتم إعطاء وعود وآمال بتصريحات صحفية تعطى انطباعا بأن الاتفاق بات قريبا، وإظهار أن هناك ضغطا يجرى على حكومة الكيان الصهيونى لإلزامها بالتوصل لاتفاق وتيسير مواقفها لإتمام الصفقة، ولكن بعد انتهاء كل جولة تفاوضية يتم توجيه اللوم والاتهام للجانب الفلسطينى «حماس» وتحميله مسئولية إفشال الصفقة والمفاوضات.
وتتكرر هذه العملية فى كل جولة تفاوضية وهى الآن تتكرر أيضا، وفى هذه المرة تحديدا تقوم الإدارة الأمريكية بنوع من المراواغات ومحاولة توضيح أن نجاح الاتفاق وإتمام المفاوضات بات وشيكا وأن هذا مطلبا ضمنيا للرئيس الأمريكى بايدن بالتزامن مع مؤتمر الحزب الديموقراطى لدعم هاريس فى الانتخابات، واعطاء انطباع بأن إدارة بايدن مهتمة و منهمكة فى حل هذا الملف العالق، ولكن من الواضح أن نتنياهو هو من يعقد المشهد وأن أمريكا ليست قادرة على أو لا تريد توجيه حكومة نتنياهو لإتمام الصفقة والتوصل لاتفاق، وهو الذى يراهن على استمرار الحرب.
وتواطؤ الإدارة الأمريكية فى الإطار العام التى كانت مضللة فى هذه المرة من المفاوضات إذا ما نظرنا إلى مضامين المفاوضات والوعود التى قدمت وكذلك الأسباب التى قدمت لإعطاء انطباع بانهيار هذه الجولة.
ومع وصول انتونى بلينكن وزير الخارجية الأمريكى إلى المنطقة فى جولة جديدة، وهى الزيارة التاسعة له منذ السابع من أكتوبر الماضى، والتى بدأها بزيارة الكيان الصهيونى ثم مصر وقطر.
وهذه الجولة تعتبر الأكثر فشلاً لظهور هذا التناقض فى المواقف الأمريكية ما بين استمرار الحشد العسكرى ودعم الكيان الصهيونى بشكل كبير سواء كان على المستوى السياسى أو العسكرى، وفى نفس الوقت يعلن بايدن ووزير خارجيته بلينكن أن هناك انفراجة فى المحادثات، ويحمل حماس مسئولية إفشال هذه الجولة والتعثر فى هذا الاتجاه من المفاوضات.
ولكن هذه المغالطات تثبت بشكل كبير سوء النوايا وتثبت أيضا أن هناك تواطؤ أمريكى و صهيونى فى هذا المشهد، وكذلك ظهور سلبية من جانب أمريكا وقبول الوضع على ما هو عليه والذى فرضه نتنياهو من خلال وضع صورة أنه حريص على التفاوض وإرسال وفود تلو الأخرى لإثبات حسن النوايا أمام مجتمع الكيان الصهيونى والمجتمع الدولى.
وبالنظر إلى ما صرح به نتنياهو بأن هناك أمور لن يتنازل عنها، مجد عمليا أن هذه الأمور هى ما يتم التفاوض حولها، إذا لماذا المفاوضات؟، فقد قضى نتنياهو على هذه المفاوضات، فهو لا يهتم بنجاح هذه الصفقة لأن نجاحها ليس فى صالحه، مع العلم أن هناك خلافا أساسيا بين جالانت ونتنياهو، فالأول يرى أن نجاح الصفقة و المفاوضات يعتبر فرصة لإتمام تحالف فى المنطقة ضد إيران، بينما يرى نتنياهو أن نجاح وإتمام الصفقة يعتبر استسلام لحركة حماس وتفكك لائتلاف حكومته و هزيمة شخصية له.
وعلى أرض الواقع لايوجد مفاوضات فعلية لإتمام الصفقة، وما يتم الآن هو لكسب المزيد من الوقت من جانب نتنياهو بطرق مختلفة، بداية من اقتراح تغيير وفد الكيان المفاوض، مما يعنى إهدار كل هذا الوقت والتلاعب بالعالم وكذلك بالوسطاء.
ويؤكد هذا الأمر بشكل كبير حالة التناقض لأن هناك مصالح استراتيجية كبيرة لأمريكا فى المنطقة وكذلك التزامها فى نفس الوقت بحماية أمن الكيان الصهيونى كبند رئيسى فى السياسة الخارجية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط.
ويأتى ذلك بالتوازى مع وجود أجواء انتخابية ولابد أن يكون هناك دعما من اليهود وكسب هذه الجولة، وأن أى تجاوزات فى حق الكيان فى هذه الفترة ستؤثر بشكل كبير على تأييد اليهود وتأثير اللوبى اليهودى فى الداخل الأمريكى وخاصة داخل الكونجرس، فهى دائما مصالح استراتيجية أمريكية فهى الراعى الأول للكيان، وإن تم تخييرها ما بين أمن الكيان والانتخابات الأمريكية، ستختار أمن الكيان لأنه من الثوابت الرئيسية فى السياسة الأمريكية، لوجود أبعاد تاريخية وايديولوجية وأبعاد شعبوية فى الإدارة الأمريكية.
‏[email protected]