حمل السلاح على المجتمع وترويع أبنائه من أبشع الجرائم

في كلمته بمؤتمر الإدارة العامة لمكافحة انتشار الأسلحة والذخائر غير المرخصة أكد الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة عضو مجمع البحوث ووزير الأوقاف السابق أن منع انتشار الأسلحة غير المرخصة ضرورة لحماية الفرد والمجتمع، وأن كل جهد يبذل في ذلك يمنع جريمة قتل أو سطو أو تخريب ، وأن القائمين على ذلك مرابطون على ثغر من ثغور الوطن .
كما أكد السلاح على المجتمع وترويع أبنائه من أبشع الجرائم ، وأن من حمل السلاح  على المجتمع فليس منا ويجب ردعه .
وبين أن الدين فن صناعة الحياة لا صناعة الموت ، وكل ما يؤدي إلى حفظ النفس البشرية هو أحد أهم مقاصد الشرع الشريف ، وهو مما أجمعت عليه الشرائع السماوية، و لم يؤكد الإسلام على حرمة شيء تأكيده على حرمة الدماء و عصمتها , فقد استهل نبينا (صلى الله عليه وسلم) خطبته الجامعة في حجة الوداع بقوله (صلى الله عليه وسلم) : “إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ ، فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا – أَوْ ضُلَّالًا – يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ” (رواه مسلم) , وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” لَا يَزَالُ الْمَرْءُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا” (المستدرك على الصحيحين) , وعن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ ، وَيَقُولُ : “مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ ، مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ , وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ ، مَالِهِ وَدَمِهِ ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا” (سنن ابن ماجه) , ويقول (صلى الله عليه وسلم) : “لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْرِ حَقٍّ ” ( رواه ابن ماجه) ، وعن‏َ ‏عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ‏‏(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) أن النَّبِيِّ ‏(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ‏‏قَالَ : “‏‏مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ) (رواهُ البخاري) . 
وقد أجمع العلماء والفقهاء على أن قتل النفس بغير حق من أكبر الكبائر المهلكة لصاحبها ، عظيمة الإثم والحرم ، حيث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم:” اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ” أخرجه البخاري. 
وقتل النفس بغير حق مما أجمعت عليه جميع الشرائع السماوية، حيث يقول الحق سبحانه :”{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ “( الأنعام: 151 )، وقد قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: في هذه الأية وما تبعها من الوصايا في سورة الأنعام: هذه من الآيات المحكمات التي لم تنسخ في أي شريعة من الشرائع. 
وقد نهى الإسلام عن قتل النفس 
عمدًا , أو خطأ , أو تسرعًا , فقال الحق سبحانه في كتابه العزيز : ” وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا” (النساء : 92).
أما القتل العمد فعقابه عند شديد ، حيث يقول الحق سبحانه : “وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيما ” ( النساء: 93 ). 
كما نهى الإسلام عن التسرع في القتل أو الإسراع إليه أو الخفة فيه , وضرورة التثبت حتى في الحرب , فقال سبحانه : “وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا” (النساء : 94) , ولما قتل أسامة بن زيد أحد المشركين في ساحة القتال بعد أن قال الرجل : لا إله إلا الله , قال له النبي (صلى الله عليه وسلم) : “كيف لك بلا إله إلا الله يا أسامة ؟ فقال أسامة بن زيد : يا رسول الله قالها والسيف على عنقه , فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) : هلا شققت عن قلبه يا أسامة .
وحتى وليّ الدم نُهي عن الإسراف في القتل , فقال الحق سبحانه : ” وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا” (الإسراء : 33) , ويقول سبحانه : ” وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ” (النحل : 126) .
وردعًا لمن تسول له نفسه الإقدام على الدم الحرام شرع الإسلام القصاص , فقال سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (البقرة : 178) , وجعل النفس بالنفس , والعين بالعين , والسن بالسن , فقال سبحانه : “وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ” (المائدة : 45) .
فلا الدين , ولا الإنسانية , ولا الأخلاق , ولا القيم , ولا الأعراف , ولا المواثيق الدولية , ولا القوانين سماوية كانت أم وضعية أم عرفية , تبيح قتل النفس , أو إزهاقها , أو الاعتداء عليها .
غير أننا أمام ظواهر شاذة تستحق وقفة متأنية ودراسات علمية ونفسية وأيدلوجية لهذه الوحشية التي أصابت بعض المنتمين إلى بني الإنسان تجاه الإنسان نفسه , فلم تعد له هذه الحرمة التي عرفها الطير قبل الإنسان على نحو ما قص علينا القرآن الكريم من شأن الغراب مع أخيه الغراب ليعطي درسًا إنسانيًا لبني البشر جميعًا , حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة المائدة في قصة ابني آدم : ” وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ” (المائدة : 27-31) .
إذن فما الذي أصاب الإنسانية من هذه الجرأة السافرة على الدماء , والإقدام على القتل ؟! إنه لخطر كبير على مسيرة الإنسانية وأخلاقها ما لم يسرع الحكماء والعقلاء لكبح جماح هذا الانفلات المقيت.
و لحفظ النفس والمال والعرض وتحقيق الأمن للفرد والمجتمع شرع الإسلام حد الحرابة على المتجاوزين في حق وطنهم ومجتمعهم، حيث يقول الحق سبحانه :” إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ” (المائدة :33 -34).
وإذا كان من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا ، فإن من عمل القتل عنها فكأنه أحياها وكأنه قد أحيا الناس جميعا ، حيث يقول الحق سبحانه : ” مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ” ( المائدة: 32) .
بل إن الإسلام قد نهى عن مجرد إشارة الإنسان إلى أخيه الإنسان ولو بحديدة، حيث يقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم:” مَنْ أشارَ إلى أخيهِ بحديدَةٍ ، فإِنَّ الملائِكَةَ تلْعَنُهُ ، وإِنْ كانَ أخاهُ لأبيهِ وأُمِّهِ” وفي رواية : “فإنَّه لا يَدْري أحدُكم لَعلَّ الشَّيطانَ يَنزِعُ في يَدِه فيَقَعُ في حُفرةٍ مِن النَّارِ” .
هذا وقد كرمت الإدارة العامة لمكافحة انتشار الأسلحة والذخائر غير المرخصة الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بدرع خاص خلال مشاركته في المؤتمر .