يوم حافل شهدته الدولة بالتوازى مع احتفالات الذكرى الـ 11 لثورة الثلاثين من يونيو، ذكرى تحرير مصر من التطرف والإرهاب واستعادة الهوية الوطنية المصرية. دولاب عمل جديد تماما للدولة المصرية؛ على خير أدت حكومة الدكتور مدبولى الجديدة اليمين الدستورية، وكذلك المحافظون الجدد، ونوابهم، ونواب الوزراء. لتبدأ صفحة جديدة من العمل التنفيذى فى مصر بدوافع متجددة، وتحديات كبيرة.
هو تغيير حكومى واسع وشامل وليس وزاريًا فقط، وحتى مكتب الرئيس وفريق عمله شهد إضافة كفاءات جديدة وخبرات عميقة. تلك التغييرات الواسعة تحمل دلالات عدة. التغيير كان مطلوبا وضروريا لبث الحيوية فى أوصال دولاب العمل الحكومي، لذلك شهدنا أكبر تغيير وزارى فى تاريخ الحكومة المصرية، بعد أن تم تغيير 23 حقيبة وزارية من أصل 31. إلى جانب تغيير 21 محافظا من أصل 27، مع تراجع ملحوظ فى متوسط الأعمار للوزراء إلى نحو 56 عاما مقابل 64 عاما فى حكومة مدبولى السابقة. حيث 6 وزراء أعمارهم أقل من 50 عاماً، و10وزراء تتراوح أعمارهم بين 50 و59 عاماً، و14 وزيراً أعمارهم تتخطى الـ 60 عاماً. وهو أمر يبعث على التفاؤل بحكومة أكثر حيوية وأكثر نشاطاً.
الأمر الإيجابى الثانى هو ارتفاع نسبة الخبرات الدولية والإقليمية فى الحكومة الجديدة لنحو 35% مقابل 25% فى الحكومة السابقة، وهو ما يعنى أن اختيارات الوزراء ونوابهم، المحافظين ونوابهم ترجمت خطاب التكليف الرئاسى للدكتور مدبولى بتشكيل الحكومة الجديدة باختيار وزراء من ذوى الكفاءات والخبرات والقدرات المتميزة لتحقيق أهداف وأولويات العمل الوطني، والتى حددها الرئيس فى خطاب التكليف، السير الذاتية لكافة الوزراء مبشرة وتشتمل على خبرات علمية وعملية ننتظر أن نستفيد منها على الوجه الأمثل، وأن تنعكس بالإيجاب على الأداء الحكومى فى عديد الملفات التنفيذية خاصة الاستثمار، والكهرباء والطاقة، التموين، المالية والضرائب وغيرها من القطاعات. لتكون أولويات وبرنامج عمل الحكومة الجديدة ما أقره الرئيس من برنامج عمل وطنى فى خطاب ولايته الرئاسية الجديدة. ثم تأكيده على ذات الأهداف فى خطاب تكليف حكومة مدبولى الجديدة ممثلا فى الحفاظ على محددات الأمن القومى المصرى فى ضوء التحديات والتوترات المتصاعدة إقليميا ودوليا. تعضيد ما تم إنجازه فى مكافحة الإرهاب ومجابهة الفكر المتطرف، ورفع الوعي، وترسيخ ركائز دولة المواطنة. والعمل على استكمال ما تم إنجازه فى عملية بناء الانسان المصرى كأساس لعملية التنمية المستدامة خاصة فى قطاعى الصحة والتعليم. إلى جانب مزيد من الجهود الفاعلة والملموسة فيما يتعلق بكبح جماح التضخم وارتفاع الأسعار وضبط الأسعار بما يخفف من معاناة التضخم على كاهل المواطن المصرى المثقل بالأعباء. أما ملف الاستثمارات الأجنبية، العربية والوطنية فهناك حاجة لإقرار مزيد من الإجراءات الحكومية والتشريعية من أجل العمل على زيادة تدفق الاستثمارات، وزيادة دور القطاع الخاص، ومعالجة التحديات التى تواجه هذا القطاع المهم.
الملمح الإيجابى الثالث؛ استمرار تمكين الشباب والمرأة، وخلق كوادر جديدة، وبناء وإضافة صف ثان لدولاب العمل الحكومى والتنفيذى على مستوى الحكومة المركزي، والإدارة المحلية فى المحافظات؛ حيث تعيين 23 نائبا للوزراء و32 نائبا للمحافظين بينهم 9 سيدات. وهو استمرار لذات النهج والتغيير الذى تبنته جمهورية يونيو الجديدة على القضية الأكثر اهتماماً من الحكومات والمجتمعات وهى قضية تمكين الشباب والمرأة فى مصر، فى شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والتنموية بوجه عام، باعتبارهم رأس المال الحقيقى للمجتمع؛ واستمرار الدور الحيوى والفعال الذى يلعبه كل من الشباب والمرأة فى تنمية المجتمع والتصدى للأزمات المختلفة، وجزء كبير من ذلك يتمثل فى استمرار الوزير أشرف صبحى وزيرا للشباب، الذى يترجم توجهات القيادة السياسية تنفيذيا فى ذلك الملف. ما يعنى استمرار اهتمام الدولة بكل مؤسساتها بالدفع تجاه تمكين الشباب فى جميع مناحى الحياة السياسية والاجتماعية فى مصر، انطلاقا من أن تمكين الشباب هو تمكين لكامل المجتمع المصري.
أما عن المرأة فالتحدى والمفاجأة الأكبر جاءت فى اختيار الدكتورة منال عوض وزيرا للتنمية المحلية كأول سيدة مصرية تتولى المنصب فى تاريخ الوزارة، والتنمية المحلية واحدة من أصعب الوزارات، ملفات عملها معقدة ومتشابكة، وهى الأكثر احتكاكا بالمواطن على مدار الساعة، لذلك هو تحدى كبير، لكن أداء الوزيرة ابان توليها مسئولية محافظة دمياط يبشر بالخير.
بشكل عام الحكومة الجديدة تبدأ عملها بدوافع متحدية، لكنها لن تبدأ من الصفر، حسبها أن تشرع فى تنفيذ المرحلة الأولى من توصيات الحوار الوطني، خاصة تلك التى تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، وما يتطلب ذلك من إقرار البرلمان لتشريعات، وهنا يجب الإشادة بالاختيار الذكى للمستشار محمود فوزى وزيرا للشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي، شهادتى فى المستشار فوزى مجروحة، لكن المستشار فوزى ليس غريبا على دولاب العمل الحكومى فقد كان مستشار لعديد الوزارات، وليس غريبا أيضا على البرلمان فقد شغل منصب الأمين العام لمجلس النواب المصري، وهو رئيس الأمانة الفنية للحوار الوطنى السابق. وقبل ذلك كله فهو الهادئ البشوش صديق الجميع ما يسهل كثيرا من مهمة التواصل بين الحكومة والبرلمان والحوار الوطني، لذلك أتوقع دفعة كبيرة فيما يتعلق بتنفيذ مخرجات الحوار الوطنى برلمانيا وحكوميا.
بالإضافة إلى الإدارة الجديدة ذات الأولويات الجديدة، نحتاج إلى نهج حكومى جديد فيما يتعلق بالسياسات؛ حكومة موجهة نحو تحقيق المهام. فالحكومة الموجهة نحو تحقيق الأهداف تعنى رفع تطلعاتنا كمواطنين لديهم طموح وتطلعات وآمال، والتركيز على أهداف طموحة وقابلة للقياس وطويلة الأجل توفر إحساسًا قويًا بالهدف الوطنى العام وهو ضمان أعلى معدل نمو مستدام ينعكس على جودة ونوعية حياة المواطن المصري، وهذا يعنى طريقة جديدة لإدارة الحكومة أكثر ترابطًا وانسجاما فيما يتعلق بالسياسات، هنا ننتظر ما تعلنه الحكومة من برنامج وسياسات الأسبوع الجارى أمام البرلمان.
إن تحقيق التحول ومواجهة التحديات الذى تحتاجه الدولة المصرية يتطلب الصبر والمثابرة. ونقطة البداية لتحقيق هذه المهام هى ضمان صحة الإدارة الحكومية الفاعلة على مستوى التنفيذ والسياسات. هنا كان حرص القيادة السياسية على ضمان أمننا الوطنى القوى وحدودنا الآمنة واستقرارنا الاقتصادي. وبناءً على هذه الأسس الآمنة، تبدأ بالفعل الخطوات الأولى للتحول المنشود.