“دولت فهمي” ضحت من أجل البلاد.. فأحياها التاريخ

دولت فهمي.. هي درة تاج نساء مركز مطاي و”جان دارك” محافظة المنيا، حيث ذكر المؤرخون المهتمون بتوثيق دور المرأة المصرية، السيرة الذاتية لإبنة مركز مطاي  شمال محافظة المنيا الثائرة “دولت فهمي” .

دولت فهمي واحدة من فتيات مركز مطاي، وتحديدا هي إبنة قرية أبو عزيز، وتنتمي إلى أسرة من الأشراف، وهي مناضلة من أبطال ثورة 1919، قدمت أعمالا وطنية خارقة للعادة، خلال عمرها  الذي لم يتجاوز ال  34 عاما، ولدت عام1889، استشهدت ضحية الظلم، والجهل على يد أحد  أشقائها عام 1923، إنتقاما لشرف لم يدنس ، وغسلا العار لم يحدث .

كانت “دولت فهمي” من اوائل الفتيات اللاتي تعلمن في صعيد مصر، وإحدى رائدات التعليم، عملت دولت مدرسة بإحدى مدارس البنات بالقاهرة، ثم وكيلة لها، تشربت الوطنية منذ صغرها، و انضمت لعضوية الحزب الوطني، وربطتها علاقة وثيقة  بـ الزعيم الوطني مصطفى كامل ، واشتهرت  بكراهيتها و عدائها للمحتل الإنجليزي ، و عبرت عن مواقفها  ضد الإنجليز بمجموعة من المقالات ، التي نشرت بالصحف في ذلك الوقت ، وخاصة صحيفة “اللواء”  جريدة الحزب الوطني، وعندما اندلعت ثورة 1919 ، لم تفارق دولت فهمي  “بيت الأمة’ ، وكانت في طليعة السيدات الثائرات ، اللائي عملن مع صفية زغلول، وهدى  شعراوي، وشاركت في كافة المظاهرات التي اشتركت فيها السيدات .

وعندما أعلنت ” مديرية المنيا” في ذلك الوقت قيام إمبراطورية المنيا المستقلة أو جمهورية المنيا، أعلنت دولت فهمي رفضها لهذا التصرف، خوفا من استغلال الإنجليز له ضد مصلحة مصر، مما يدفعهم إلى  التفكير في تقسيم مصر، وقد فسرت رفضها لإعلان استقلال المنيا  في خطاب أرسلته إلي الدكتور” محمود عبد الرازق” أحد قيادات الثورة في المنيا، وقد كان من رموز ثورة المنيا وأبطالها الشاب المناضل «عبد القادر شحاتة» ، وهو أيضا من أبطال ثورة 1919 المجهولين، وقد سمعت عنه “دولت” كثيرا و لكنها لم تره أو تلتق به إلا مرة واحدة بعد  الثورة بأربعة أعوام كاملة. 

وكان لقاء” دولت” بشحاته  سببا في موتها ، حيث نفذ شحاتة بإعتباره  عضوا في جمعية سرية تناهض الإنجليز عملية إغتيال لأحد قادة الإنجليز ، وإلقي القبض عليه ، وأصبح قاب قوسين من حبل المشنقة  ، رغم عدم ضبطه متلبسا، إلا أن الإنجليز كانوا يعلمون نشاطاته الوطنية و يتربصون به ، ففي لحظة فارقة قامت “جان دارك المصرية” بعمل بطولي يفوق الخيال.

وتوجهت إلى المحققين، وطلبت مقابلتهم، بصفة عاجلة لأن لديها أقوالا هامة  بخصوص قضية عبدالقادر شحاتة ، فأذن لها فورا ، وكانت المفاجأة تقديمها لإعتراف وهمي بأنها ‘عشيقة شحاتة”، و أنه ليلة الحادث كان يبيت معها بمسكنها، ورغم الضغوط الهائلة التي تعرضت لها و التي وصلت إلى حد التعذيب لم تتراجع عن أقوالها ، ووصل الخبر إلى أشقائها في «أبو عزيز» .

ولم يكن سوى قرار نهائي، و فوري واحد بلا رجعة ، هو قتلها وغسل العار، وذهب اشقائها إليها بعد   إنتهاء التحقيقات، وتظاهروا بتصديقها، ولكنهم صمموا أن تصحبهم إلى القرية  لتجلس في ديوان العائلة ، و تحكي قصتها  أمام الجميع حتى يرفعوا رؤوسهم من جديد ، ومن محطة قطار مطاي اصطحبوها إلي القرية التي وصلوها ليلا ، ولم يدخلوا بها إلى القرية بل توجهوا إلى طريق المقابر ، لم تحاول  دولت الصراخ او الإستغاثة  ، واكتفت كما صرحوا فيما بعد بالقسم على صدق ما قالت، وأوصتهم برفع رؤؤسهم ، وفي.نظرات عتاب قاسية مؤلمة تذبحهم بها قبل أن يذبحوها ، تتلو الشهادة و هي ترفع رأسها بفخر لا يعرفه من يدعون الشرف ، ” ماتت” دولت من أجل أن تحيا في صفحات التاريخ