د. آلاء إبراهيم تكتب : بعد فوكاك.. دبلوماسية الصين مع دول الجنوب العالمي


 

وضع الرئيس الصيني شي جين بينغ منذ صعوده لسدة الحكم الخطوط العريضة للدبلوماسية ذات الخصائص الصينية، والتي تقوم على مجتمع المستقبل المشترك للبشرية وفلسفة الحياد لتحقيق التعاون العادل، وتدعيم العلاقات التى تقوم على التعايش السلمي والتنمية المتوازنة.

إن تعاون دول الجنوب العالمي جزء لا يتجزأ من الدبلوماسية ذات الخصائص الصينية، فقد عقدت الصين شراكات إستراتيجية شاملة مع دول الجنوب العالمي، وقد دخلت العلاقات بين الصين ودول الجنوب العالمي حقبة جديدة تعتمد على المنفعة المشتركة وتشكيل النظام العالمي الحالي عملًاعلى بناء مجتمع دولي يتميز بالسلام العادل والمستدام.

صنف تقرير “بناء الجنوب العالمي” الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2004 الصين على أنها دولة من “الجنوب العالمي” ودولة كبرى تتمتع بنفوذ إستراتيجي عالمي، وسياسة خارجية تقوم على سياسة عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية وتتبنى سياسة عدم الانحياز، كما أن هناك تاريخا مشتركا من النضالات التاريخية مع دول الجنوب العالمي، وهنا نرجع للدبلوماسية الصينية التى قامت على التغلب على الكثير من مشكلات التنمية والتي أيضا هي مشكلات تنموية مشتركة مع دول الجنوب العالمي، إلى جانب الدروس التاريخية والإنجازات الناجحة التي حققتها الصين من خلال مبادرة “الحزام والطريق” مثل “مكافحة الفساد”، و”القضاء على الفقر”، و”الحوكمة العالمية”.

ومن هنا نرى أن الصين ودول جنوب شركاء طبيعيين، حيث يتبين للقاصي والداني التشارك في التجارب التاريخية، إلى جانب التحديات التى تواجه الصين ودول الجنوب العالمي فيما يخص التنمية المستدامة، فمنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، شهدت علاقات الصين مع دول الجنوب العالمي عملية تنمية مشتركة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ومن المطلوب رفع راية السلام والتنمية والتعاون والفوز المشترك عاليًا والتمسك بالتنمية السلمية بثبات ودفع نهضة الأمة.
(حول الحكم والإدارة – شي جين بينغ – المجلد الثاني صـ 489)
تتركز الدبلوماسية الصينية على الجمع بين تغيرات المجتمع الدولي من ناحية والإستراتيجية الوطنية من ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن حجر زواية العلاقات الخارجية الصينية هو معارضة الهيمنة وحماية السلام العالمي، إلا أن التركيز الإستراتيجي يعمد بشكل أساس لتحقيق التنمية الدولية المشتركة، والذى أصبح الإطار الاقتصادي الأساسي لدبلوماسية الصين.

إن عالمنا اليوم يمر بتغيرات غير مسبوقة، ومع إقامة منتدى التعاون الصيني الأفريقي – فوكاك، تدخل علاقات الصين مع الجنوب العالمي عصراً جديداً. وإذا نظرنا للمسرح السياسي العالمي لدهشنا من الفوضى العميقة والأزمات المتراكمة، استكشفت الدبلوماسية ذات الخصائص الصينية بقيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ الطريقة الصحيحة التي تمكن الصين من التعايش مع الجنوب العالمي في الألفية الثالثة، وذلك على الرغم من ضغوط القوى العظمى والصراعات الإقليمية وتغير المناخ، فضلا عن التحديات الداخلية الناشئة.
وحتى تصل هذه الدبلوماسية لأهدافها، تعارض الصين الهيمنة وسياسات القوة ونظرية صراع الحضارات، وتدعو إلى السلام والتنمية والعدالة والديمقراطية، وفي الوقت ذاته تدعو الدبلوماسية ذات الخصائص الصينية إلى نظرة حضارية جديدة تقوم على المساواة والتعلم المتبادل والحوار والتسامح، مما يعزز التبادلات بين الحضارات التي تتجاوز الحواجز الحضارية، والتعلم المتبادل بين الحضارات الذي يتجاوز الصراعات الحضارية، والتعايش الحضاري الذي يتجاوز التفوق الحضاري.

وعند النظر إلى هذا التوازن بين المصلحة العالمية والمصالح الوطنية، نجد أن هذه الدبلوماسية تسعى إلى التنمية كأولوية أساسية في علاقاتها مع دول الجنوب، والتي تعتبر جزء لا يتجزأ من المصالح الوطنية لدول الجنوب العالمي وأيضا المصلحة العالمية التي تتعلق بالتنمية العالمية والعولمة وكيفية القضاء على فجوة التنمية وفجوة التحديث بين الشمال والجنوب. فتعزيز التحديث وبناء شراكات للتنمية العالمية يساهم في توطيد مصالح شركاء الجنوب العالمي والبناء المشترك لمجتمع التنمية العالمية، وهذه هى المهام الأساسية للدبلوماسية الصينية في الجنوب العالمي في العصر الجديد.

وقد طرح الرئيس شي جين بينغ مبادرة “الحزام والطريق”عام 2013، والتي ساهمت في تعزيز التعاون الفعال مع دول الجنوب العالمي من حيث الاستثمارات والتكنولوجيا وغيرها، مع تحسين بناء البنية التحتية ومستوى التنمية الاقتصادية في البلدان النامية، وتوسيع مساحة التعاون بين الصين والجنوب العالمي.”وأولينا الاهتمام لتفسير أهمية الحلم الصيني للعالم، وأثرينا فكرة التنمية السلمية الإستراتيجية، وأكدنا على إنشاء العلاقات الدولية الجديدة الطراز، التى تتخذ التعاون والفوز المشترك محورًا لها.” (حول الحكم والإدارة – شي جين بينغ – المجلد الثاني صـ 489)