منذ فجر الإسلام، أحاط بـرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، نخبة من المسلمين الأوائل، في الوقت الذي آمن فيه فتية صغار السن بالله حبًّا في النبي، وجهروا بالإسلام في شجاعة نادرة، رغم ما كان يكتنف البيئة المحيطة من تقديس للأصنام، والأوثان، وإدمان للأدران، وصمدوا بقوة أمام ضغوط الآباء والأمهات وعتاة المشركين.
تربوا في مدرسة الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، وحرصوا على مراقبة تصرفاته، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.
كانوا أصحاب فكر سديد، فأعلنوا اتباعهم للنبي، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة، فاستحقوا أن يكونوا قدوة للأجيال الشابة التالية.
إنهم “شباب حول الرسول”.
نكتب اليوم عن صحابي شاب، عاش طويلا، وكان شديد الكرم، فأطعمه الله وسقاه، وأكد أحد الصحابة أنه رأى الملائكة تصلي عليه.. إنه سيدنا أَبُو أُمَامَة البَاهِلي، أسلم صغيرا، ودعم سيدنا علي بن أبي طالب، إمام المتقين.
اسمه: صُدَي (بالتصغير) بن عجلان بن الحارث، غلبت عليه كنيته “أبو أمامة الباهلي”، واشتهر بها.
أخرَج الطَّبَرَانِيُّ ما يدلُّ على أنه شهد أحدًا.. وبايع الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، في بيعة الرضوان (في الحديبية)، وظل أبو أمامة ملازمًا له في جميع غزواته، لا يتخلف عن غزوة، ولا يتقاعس عن جهاد، وشارك رضي الله عنه في جميع الحروب مع خلفاء الرسول.
قصةٌ عجيبةٌ مع قومه
بعثه رسول الله إلى قومه باهلة يدعوهم إلى الله عز وجل، ويعرض عليهم شرائع الإسلام، فرفضوا منه.
وكان له معهم قصة عجيبة، قال: جعلت أدعوهم إلى الإسلام ويأبون عليَّ، فلما أطلت الحديث معهم، ويئست منهم، قلت لهم: ويحكم اسقوني شربة من ماء فإني شديد العطش، قالوا: لا، ولكن ندعك حتى تموت عطشًا، وكان عليه عباءة، يقول: فاغتممت وضربت برأسي في العباءة، ونمت في الرمضاء في حر شديد، قال: فأتاني آتٍ في منامي بقدح زجاج لم ير الناس أحسن منه، وفيه شراب لم ير الناس شرابا ألذَّ منه، فأمكنني منها فشربتها، فحيث فرغت من شرابي استيقظت
يقول: وقد عُظُمَ بطني (امتلأ)، فلما رأه القوم قد استيقظ، قال رجل منهم: أتاكم رجلٌ من خياركم وأشرافكم فرددتموه، اذهبوا إليه فأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي.
يقول: فأتوني بطعامٍ، قال: لا حاجة لي في طعامكم وشرابكم، فإن الله قد أطعمني وسقاني، فانظروا إلى حالتي التي أنا عليها، ثم أظهر لهم بطنه، فلما رأوها مملوءة، وليس به عطشٌ ولا جوعٌ، قالوا له: ماذا حدث يا أبا أمامة، فحكى لهم ما رأه في منامه، فأسلموا جميعًا.
يقول: فآمنوا بي وبما جئتهم من عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وفاز أبو أمامة بشربة يقول عنها: فلا والله ما عطشت ولا غرثت (جعت) بعد تلك الشربة.
روايته للأحاديث
صحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسمع منه، وروى عنه علمًا كثيرًا، فكان من المكثرين في الرواية، وأكثر حديثه عند الشاميين.
وفي كتابه “أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد”، وضعه ابن حزم الأندلسي برقم السابع عشر في المكثرين من أصحاب المئتين، وذكر أن له مئتين وخمسين حديثًا، روى عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة،
وروى عن عمر بن الخطاب (في الترمذي وابن ماجة)، وعن عثمان بن عفان، وعن علي بن أبي طالب، وعن أبي عبيدة بن الجراح، وعن معاذ بن جبل، وعن عمار بن ياسر، وعن عبادة بن الصامت (في الترمذي والنسائي وابن ماجة)، وروى عن عمرو بن عبسة (في مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي)، كما روى عن أبي الدرداء.
روى البخاري في “التاريخ الكبير” بسنده عن أبي يحيى سليم بن عامر، أنه سمع أبا أُمامة، يقول إنه سمع النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول في حجة الوداع وهو على الجدعاء (ناقة)، قد جعل رجليه في غَرْزِ الرّكاب تطاول يُسَمِّعُ الناس بطول صوته، وقال قائل من طوائف النَّاس: بماذا تعهد إلينا؟ قال: اعبدوا ربّكم، وصلُّوا خَمْسكم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءكم، تدخلوا جنتكم، قال أبويحيى قلت: مثل من أنت يومئذ؟ قال: أنا يومئذ ابن ثلاثين سنة، أزاحم البعير حتى أزحزحه قُدُمًا إلى رسول الله، صَلّى الله عليه وسلم.
ورى البخاري أيضًا في التاريخ الكبير: عن حبيب بن عبيد أن أبا أمامة كان يحدث بالحديث كالرجل الذي يؤدي ما سمع (أي لايبدل ولا يغير ولو حرفا).
طالع أيضا: شباب حول الرسول، رافع بن خديج “أصغر الرماة في أُحُد”
عُمِر أبو أمامة طويلًا وسكن مصر، ثم انتقل منها إلى حمص في الشام، فنزل بها، وظل حريصًا على أن يبلغ ما معه من علم كثير عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لمن أدركه من المسلمين.
ويروي سُلَيم بن عامر، فيقول: “كنا نجلس إلى أبي أمامة، فيُحدثنا كثيرًا عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم يقول:”اعقِلوا، وبَلغوا عنا ما تسمعون”، وظل يوصي المسلمين فيقول: “حببوا الله إلى الناس، يُحْبِبْكُم الله”.
الملائكة تصلي عليه
وأخرج البيهقي من طريق سليمان بن عامر، جاء رجل إلى أبي أمامة، فقال: إني رأيتُ في منامي الملائكة تُصلِّي عليك كلما دخلت، وكلما خرجت، وكلما قمت، وكلما جلست.
وروى أبو اليمان الحمصيّ، عن أبي أُمَامة أنّه كان يحدَّث الحديثَ كالرجل الّذي عليه يُؤدَّى ما سُمِعَ، وروى عبد الله بن صالح، عن الحسن بن جابر أنّه سأل أبا أُمَامة الباهليّ عن كتاب العلم فقال: “لا بَأسَ بذلك أو ما أدري به بأسًا”.
وقال سليمان بن حبيب المحاربي: “دخلتُ مسجد حمص، فإِذا مكحول وابن أَبي زكرياءَ جالسان”، فقال مكحول: “لو قمنا إِلى أَبي أَمامة صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأَدينا من حقه، وسمعنا منه”، قال: “فقمنا جميعًا، حتى أَتيناه، فسلمنا عليه، فرد السلام”، ثم قال: “إن دُخُولكم عَلَيَّ رحمةٌ لكم وحُجَّةٌ عليكم، ولم أَرَ رَسُولَ اللّه، صَلَّى الله عليه وسلم، من شيء أَشَدَّ خوفًا على هذه الأُمة من الكذب والعصبية، أَلا وإِياكم والكذبَ والعَصَبِيَّة، أَلا وإِنه أَمرنا أَن نُبَلِّغكم ذلك عنه، أَلا وقد فعلنا فأَبلغوا عنا ما بلغناكم”.
وروى رجاء بن حَيْوة، عن أبي أُمامة: أنشأَ رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، غزوًا فأتيتُه، فقلت: “يا رسولَ الله أُدعُ الله لي بالشهادةِ”، فقال: “اللهم سَلَّمْهُم، وغَنِّمْهُم”، قال: “فغزَونا، وسلِمنا، وغنِمنا، ثم أتيتُه بعد ذلك”، فقلت: “يا رسولَ الله مُرني بعملٍ آخذُه عنك، ينفعني الله عزَّ وجلَّ به”، قال: “عليكَ بالصوم فإنَّه لا مِثْل له”، قال: “فكان أبو أمامة، وامرأته، وخادمه لا يُلْقَون إلا صيامًا، فإذا رأَوا نارًا أو دُخَانًا بالنهَار في منزلهم عَرَفوا أنه قد اعْتَراهم ضَيفٌ”، قال: ثمَّ أتيتُه بعد ذلك فقلتُ: “يا رسولَ الله إنكَ قد أمرتَني بأمر وأرجو أن يكُون الله عزَّ وجلَّ قد نفَعني به، فمُرني بأمرٍ آخرَ ينفعُني الله عزَّ وجلَّ به”، قال: “اعلم أَنك لا تسجُد لله عزَّ وجلَّ سجدةً إلا رفعَ الله عزَّ وجلَّ لكَ بها درجةً، أو حطَّ بها عَنك خطيئة”.
300 دينار ذهبا
وروت مولاة لأبي أُمَامةَ البَاهِلي، قالت: “كان أبو أُمَامة رجلًا يُحبُّ الصدقة، ويَجمعُ لها من بين الدينارِ، والدرهمِ، والفلوس، وما يأكلُ حتى البصلة ونحوها، ولا يقفُ به سائلٌ إلا أعطاهُ ما تهيأَ له؛ حتى يضعَ في يدِ أحدِهم البصلةَ، قالت: فأصبحنا ذاتَ يومٍ وليسَ في بيته شيءٌ من الطعامِ لذلك ولا لنا، وليس عندَه إلا ثلاثةُ دنانير، فوقف بهِ سائلٌ فأعطاهُ دينارًا، ثم وقف بهِ سائلٌ فأعطاهُ دينارًا، ثم وقف بهِ سائلٌ فأعطاهُ دينارًا،
قالت: فغضبْتُ وقلت: لم يبقَ لنا شيءٌ، فاستلقَى على فراشهِ، وأغلقتُ عليه بابَ البيت حتى أذَّن المؤذنُ للظهرِ، فجئتُه فأيقظتهُ فراحَ إلى مسجدهِ صائمًا، فرقَقتُ عليهِ فاستَقرضتُ ما اشتَريتُ به عَشاء، فهيَّأتُ سِرَاجًا، وعَشًاء، ووضَعتُ مَائدة، ودنوتُ من فراشِه لأُمهِده له؛ فرفَعتُ المِرْفقةَ (المخدة)، فإذا بذَهَبٍ، فقلتُ في نفسِي: مَا صنعَ إلا ثقَة بما جاء به، قالت: فعدَدتُها فإذا ثلاثمائة دينار، فتركتُها على حالِها حتى انصَرف على العَشاء،
قالت: فلما دخلَ ورأى ما هيَّأتُ له، حَمِد الله تعَالى وتبسَّم في وجهِي، وقال: هذا خيرٌ مِن غيره، فجلسَ فتعشَّى، فقلتُ: يغفِرُ الله لك، جئتَ بما جئتَ به ثُم وضعتَه بموضعِ مضيعةٍ (سهل الضياع)، فقال: وما ذاكَ؟ فقلتُ: ما جئتَ به من الدنَانير، ورَفعْتُ المِرفَقةَ عنهَا، ففَزِع لِما رَأى تحتَها، وقال: ويحَك ما هذا؟! فقلتُ: لا عِلم لي بهِ إلا أَني وجدتُه علَى مَا ترَى، قالت: فكثُر فَزعهُ، رحِمهُ الله ورَضي عَنه”.
قال: سمعتُ رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، يقول: “اكْفُلُوا لِي بِسِتٍّ أَكْفُلْ لَكُمْ بِالْجَنَّةِ إذَا حَدَّثَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَكْذِبُ، وَإذَا أَؤتُمِنَ فَلَا يَخُنْ، وَإِذَا وَعَدَ فَلَا يُخْلِفْ، غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ”.
من أقواله
ومن أقواله، رضي الله عنه: “حبِّبوا اللهَ إلى الناس يُحبِبْكم الله”، “المؤمن في الدنيا بين أربعة: بين مؤمن يحسُدُه، ومنافقٍ يُبغِضُه، وكافر يُقاتِله، وشيطانٍ قد يوكل به”، “كان الناس كشجرةٍ ذاتِ جَنًى، ويوشك أن يعُودوا كشجرةٍ ذاتِ أشواك”.
سعى لإحلال السلام وإقناع معاوية بالتراجع عن عناده والتوقف عن حرب الإمام علي؛ حقنا لدماء المسلمين.
روى نصر بن مزاحم في كتابه “وقعة صفين”: خرج أبو أمامة الباهلي، وأبو الدرداء، رضي الله عنهما، فدخلا على معاوية وكانا معه، فقالا: “يا معاوية؛ علامَ تُقاتل هذا الرجلَ، فوالله لهو أقدم منك سلما (إسلاما)، وأحق بهذا الأمر منك، وأقرب من النبي، صلى الله عليه وسلم، فعلام تقاتله؟”، فقال معاوية: “أقاتله على دم عثمان، وأنه آوى قتلته، فقولوا له فليقدنا من قتلته، فأنا أول من بايعه من أهل الشام”.
فانطلقوا إلى علي، رضي الله عنه، فأخبروه بقول معاوية، فقال: “هم الذين ترون” (أي يرددون تلك المزاعم).
وعن أبي أُمامة، قال (يصف جنود علي بن أبي طالب): “شهدتُ صفّين فكانوا لا يُجهزون على جريحٍ ولا يطلبون مُوَلّيًا (لا يطاردون هاربا)، ولا يَسْلبون قتيلًا”.
وفاته
ومات أبو أمامة الباهلي سنة 86 هـ، وله مائة وستّ سنين، وقال سفيان بن عُيينة: كان أبو أمامة الباهليَّ آخر من مات في الشّام من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.