فك الارتباط مع«صندوق النقد»-2

اتجاه

ليس هناك أفضل تطابق، مع دعوة الدكتور محمود محيى الدين، وزير الاستثمار المصرى«سابقاّ»، المدير التنفيذى لصندوق النقد الدولى «حالياّ»، بأن تسارع مصر للتخارج مع صندوق النقد، قبل عام 2026، مثل ما كتبت فى جريدة»الوفد»، شهر مايو الماضى، مطالباّ الحكومة بفك الارتباط مع هذا الصندوق، وكان بالضبط كما دعا الدكتور»محيى الدين» للتخارج.. قلت:
< أظننا فى مصر، نتطلع لأن نكون مثل العراق، الذى فاجأ الأوساط الاقتصادية، بسداد كافة ديونه لصندوق النقد الدولى، وهى فى الحقيقة، خطوة جبارة فى نهج حكومة»بغداد»، نحو فك الارتباط مع هذا الصندوق، على طريقة البرازيل، التى تحدَت إعلانات الإفلاس، فى عام 2002، وأوفت بديونها بالكامل، وتحولت إلى دولة مقرضة لصندوق النقد- خلال 5 سنوات- بما قيمته 14 مليار دولار، ومن بعد البرازيل كانت تركيا، التى نجحت هى الأخرى فى سداد ديونها للصندوق، فى عام 2015، بعد أزمة عام 2002، فى الموازنة العامة وسعر الليرة…إلخ، وبالتالى ليس من المستحيل على»القاهرة»، أن تقرر الاستغناء عن أموال الصندوق، إن كانت هناك إرادة لذلك.
< الحالة العراقية أكثر لفتاّ للأنظار، لأن هذا البلد عانى انهيارا شاملاّ، على جميع المستويات السياسية والاقتصادية بالذات، منذ أن قادت الولايات المتحدة الأمريكية، تحالفًا غربيًا لغزو العراق، فى عام 2003، ودمرت بناه ومرافقه العامة، واستولت على ما عنده من ثروات، وعلى وجه الخصوص الثروة البترولية، ومن دون التفاصيل، لم يكن أمام الحكومات العراقية المتتابعة، إلا الاقتراض من صندوق النقد الولى، الذى وافق على تمويلات لبرامج ائتمانية وتنموية، حتى كان قرار»بغداد» الراهن، بسداد الـ9 مليارات دولار، كامل ديون الصندوق على العراق، وفوق ذلك، إلغاء قرض بقيمة 6 مليارات دولار، كانت مفاوضات تجرى بشأنها بين الطرفين.
< ما الذى يمنع الحكومة عندنا، من أن تنظر إلى الدرس العراقى، ولو من الناحية التى يمكن أن تتوقف معها، عن طلب مزيد من القروض، وما إذا تيسر لها من إمكانيات مالية، لأن تقرر ما قررته الحكومة العراقية، بسداد كامل ديون صندوق النقد على مصر، التى هى الآن 15 مليار دولار، وأن توقف ما يجرى من تفاوض حول قروض جديدة، وأظن أن الحالة المالية للدولة المصرية، ربما توفر مناخات ملائمة للسداد، فى ظل تدفقات الاستثمار الضخم فى رأس الحكمة، بـ35 مليار دولار، بخلاف الزيادة فى تحويلات المصريين بالخارج، على وقع تحرير سعر الصرف، الذى قفز بقيمة الدولار لمستويات الـ49 جنيهاّ، إلى جانب موارد أخرى، السياحة وعوائد قناة السويس.
< والمقارنة ما بين الحالتين العراقية والمصرية، بخلاف الاستقرار السياسى والأمنى، قد تبين مزايا أكثر إيجابية فى صالح مصر، مع أى قياس معيارى، يختص بالناتج المحلى الإجمالى مثلاّ، وحتى مستويات الديون على البلدين، ومع الفارق فى عدد السكان، باعتباره عامل جوهرى فى أى حسابات اقتصادية، فإن الناتج الإجمالى للعراق- بأرقام العام الماضى2023- تجاوز الـ267.89 مليار دولار، وهو أقل من الناتج القومى لمصر عن نفس العام، الذى سجل 387 مليار دولار» الدولار وقتها كان مقوماّ بـ39.80 جنيه»، فيما تقول وزارة التخطيط فى مصر، أنه ارتفع إلى 10.2 تريليون جنيه، بحسابات بداية العام الجارى لقيمة الدولار مقابل الحنيه.
< خلاصة ما نقول، أنه لصالح مصر- الشعب بالذات- لو نحتذى العراق بفك الارتباط مع صندوق النقد، ونتجنب مخاوف ما ألحقه بدول انهارت وأعلنت إفلاسها، كما فى حالة المكسيك، عندما اقترضت 3.4 مليار دولار، فى أوائل الثمانينات، وبدلاّ من نجاح خطة الإنقاذ، انتهت بتدمير الاقتصاد، ووضع الصندوق يده على الميزانية العامة، ما أدى لاتساع مساحة الفقر والهجرة القهرية، والأسوأ من المكسيك، كانت السودان عام 1982، والصومال عام 1980، التى وضعهما الصندوق على سكة الدمار، انتهى فى الأولى- السودان- بأزمة سياسية، خسر بسببها نصفه الجنوبى، وفى الثانية- الصومال- إلى حرب أهلية وفقر يعم البلاد..تحية لقرار العراق، ونأمل فى قرار مماثل من مصر.
‏[email protected]