في مرحلة ما شارك الجميع بمخيم ميتشي للاجئين في المساعدة لبناء المستشفى

استقر أكثر من نصف مليون لاجئ سوداني في شرق تشاد منذ اندلاع الحرب في أبريل .2023 تشاركنا ميريام العروسي – منسقة مشاريع أطباء بلا حدود – رؤيتها المتعمقة حول محنة الناس هناك، بعد أن أنهت مهمتها التي استمرت سبعة أشهر في ميتشي، وهو واحد من عدة مخيمات في المنطقة.

ميتشي منطقة صغيرة ونائية تقع جنوب بلدة أدري الحدودية، حيث يستقر معظم اللاجئين الوافدين عند وصولهم.

 يستغرق الوصول إلى هناك من أدري ساعتين عبر طرق وعرة للغاية. لم يكن هناك إلا قريتين قبل إنشاء مخيم اللاجئين في نهاية عام .2023 كان الأمر أشبه بأن نشير بالإصبع وسط الصحراء وأن نقول “لنذهب إلى هناك.”

هذه منطقة ذات درجات حرارة شديدة تصل إلى 50 درجة مئوية نهارا، وليلها بارد. وأثناء العواصف، يأكل المرء الرمال من الصباح إلى المساء رغما عنه بسبب الرياح؛ وموسم الأمطار، كما هو الحال الآن، يجلب هطولا غزيرا.

يعيش هنا الآن قرابة 50 ألف لاجئ. عندما بدأت أطباء بلا حدود العمل في متشي العام الماضي، أقمنا في البداية عيادة مرتجلة من الخيام للاستشارات البسيطة. ومع وصول المزيد من الناس، أنشأنا مستشفى من العدم. بنينا نظام صرف صحي، وشيدنا منصات خرسانية لنصب خيام أكثر مقاومة، ومددنا الكهرباء…

كان الأمر مليئ ا بالتحديات، فغالبا ما لم تجر الكثير من الأمور كما توقعنا، وتط ل ب إدخال الإمدادات الكثير من التخطيط اللوجستي، لأن الطرق لا تسمح بمرور سهل. واصلنا التحرك وتعلمنا الكثير في وقت قصير. وفي مرحلة ما، شارك الجميع بمخيم ميتشي للاجئين في المساعدة لبناء المستشفى، بما في ذلك آلاف العمال المياومين وأكثر من 500 موظف محلي ودولي من طاقم أطباء بلا حدود.

ندير جميع أنشطة المستشفى المعتادة، من فرز المرضى إلى غرفة الطوارئ، والمراقبة، وطب الأطفال والأطفال وحديثي الولادة، والطب الباطني، والأمومة، والمختبر، ومركز التغذية العلاجية للمرضى المقيمين، وهو القسم الأشد ازدحاما حاليا من بين جميع الأقسام، إذ يستمر بتسجيل إدخالات جديدة لأطفال يعانون من سوء التغذية. 

وفي أغسطس، افتتحنا غرفة العمليات وبدأنا الأنشطة الجارحية.
 

وصول متأخر وشح مياه وذكريات مؤلمة

هذا المستشفى الذي يضم 115 سريرا هو المرفق الرئيسي للرعاية الصحية المتخصصة لق اربة 200 ألف شخص، بما في ذلك اللاجئين من متشي والمجتمعات المحلية، بالإضافة إلى الناس من المخيمات القريبة مثل ألاشة وأركوم.

إلا أن الوصول إلى المرفق الصحي صعب بسبب ضعف نظام الإحالات، حيث لا توجد سوى ثلاث سيارات إسعاف متاحة لمحافظة واداي بأكملها، وهذا يؤدي إلى وصول بعض المرضى متأخرين، بل وحتى موتهم قبل أن يصلوا إلى المستشفى. لهذا السبب كان العمل التوعوي المجتمعي بالغ الأهمية. ومن خلال أنشطة تعزيز الصحة والصحة النفسية، حصلنا على فهم أعمق لاحتياجات الناس.

وفي بداية الاستجابة لحالة الطوارئ، نقلنا الكثير من المياه بالشاحنات، إلا أن شركاء آخرين بدأوا لاحقا ببناء شبكة المياه. ومع ذلك، يحصل اللاجئون على 14 لترا كحد أقصى من مياه الشرب للشخص الواحد يوميا، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى في حالة الطوارئ، والذي يساوي 20 لترا. 
 

يقضي الناس ساعات محاولين الحصول على المياه، ويتفرق أفراد العائلة لجلب المياه من نقاط الماء المختلفة. أتذكر أحد المرضى، وهو شاب يبلغ من العمر 22 عا ما كان برفقة عائلته. كان شابا ضخما وقويا جدا ويتمتع بصحة جيدة، لكنه أصيب بالتهاب الكبد E وتوفي بعد يومين من مجيئه إلى المستشفى. 

كان الأمر غير متوقع على الإطلاق. فقد م رت علينا حالات أصعب، إلا أن حالته تدهورت بسرعة. قلت لنفسي: “الحياة قادرة على أن تكون صعبة. فقد نجا [الشاب] من الأسوأ خلال الحرب لكنه مات الآن بسبب شرب المياه القذرة.”

يصل معظم اللاجئين إلى متشي بعد فرارهم من الجنينة [عاصمة ولاية غرب دارفور]، وهي مدينة تعرضت لبعض أسوأ أعمال العنف في الحرب، بما في ذلك الهجمات ذات الدوافع العرقية ضد مجتمعات المساليت من قبل قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها. 

وكثير منهم كذلك أصلهم من مناطق أخرى من دارفور، وقد عانوا من النزوح القسري المتكرر على مر السنين، حيث واجهت هذه المنطقة السودانية النازع منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

الأغلبية من النساء والأطفال، وكل عائلة تقريبا فقدت أحد أفرادها، وتجد من بينهم مهنيين مؤهلين لا يعملون الآن؛ وأمهات يكافحن من أجل إطعام أطفالهن، وأطفال يتامى ووحيدين.

يبذل الناس كل ما في وسعهم لتعويض ما لا توفره المساعدات الإنسانية. يبيع البعض أشياء صغيرة. وبدأ آخرون أنشطة تطوعية مثل الموسيقى والمسرح والمدارس غير الرسمية في المخيمات. والأطفال على سجيتهم في خضم كل هذه التحديات، فتراهم يصنعون الألعاب ويلعبون.

 وقد بدأ بعض اللاجئين بالعودة لفترة وجيزة إلى السودان، ومعظمهم إلى الجنينة والبلدات المجاورة في الوقت الراهن، لتفقد من تبقى من أقاربهم هناك أو لجمع بعض الأغارض أو لكسب بعض المال، لكنهم يعودون لاحقا إلى المخيم.

هناك حاجة إلى أكثر بكثير من المساعدة صمود هؤلاء الناس لا يص دق، وكذلك هي شدة احتياجاتهم. باعتبار أطباء بلا حدود إحدى المنظمات الرئيسية العاملة في ميتشي، اما يُنظر إليها على أنها “الأم التي تحارب من أجلهم”، ونحن نبذل كل ما في وسعنا هنا وفي المخيمات الأخرى، ولكن لايازل فغالب هناك الكثير الذي يجب القيام به، ومع استمرار الحرب من دون توقف، يستمر الناس في الوصول من السودان.

قامت السلطات التشادية بعمل رائع عبر استقبالها الكثير من الأشخاص في أراضيها. 

وبعيدا عن هذه اللفتة، فالحقيقة هي أن أحدا يهتم حقا بهذه الأزمة في شرق تشاد، فالكثير من اللاجئين يضطرون إلى تناول وجبة واحدة فقط في اليوم، ويفتقرون إلى المأوى الملائم والمياه النظيفة، ولا م ارحيض تكفيهم. ومن المخجل أن الاستجابة لاتازل أقل بكثير مما هو مطلوب. فإذا لم يُتخذ أي إجارء لتمويل المساعدات الإنسانية وتوسيع نطاقها، فستتفاقم الأزمة، ما سيعرض اللاجئين لمزيد من المعاناة.