د. أميرة عبد الحكيم
على مدار أسبوعين من الجلسات والاجتماعات واللقاءات المتواصلة في العاصمة الآذرية “باكو”، عقد مؤتمر الأطراف “كوب29” بحضور نحو 72، 000 مشارك من 196 دولة، بما في ذلك 80 رئيسا ونائب رئيس ورئيس وزراء. بينما تغيب الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب، بالإضافة إلى قادة روسيا والصين وفرنسا وألمانيا والمفوضية الأوروبية.
وعلى الرغم من ذلك فقد تميزت القمة بالتنظيم الرائع إلى جانب قدرة الدولة الآذرية على احتضان أكبر قمة للتعاطي مع مشكلات البيئة، وهنا يمكن قياس هذا النجاح من خلال ما تم إنجازه على ارض الواقع، حيث كان التكامل بين إجراءات الرعاية الصحية وقضايا المناخ. في باكو من خلال التأكيد على استخدام المبادئ التوجيهية لتمويل الحلول المناخية والصحية بوصفها إطار عمل، ومن ثم فإن “كوب 29” “مهد الطريق لحقبة تتكامل فيها الاعتبارات الصحية بسلاسة مع السياسات المناخية لتحقيق مستقبل يتسم بمزيد من الصحة والقدرة على المواجهة للجميع”.
ومما نتج عن تلك القمة كذلك ما أعلنته المملكة المتحدة عن مساهمتها الجديدة المحددة على المستوى الوطني، وذلك برفع تعهدها السابق خفض انبعاثات الكربون بمقدار 68 في المئة، أي دون مستويات سنة 1990، قبل سنة 2030 إلى مستوى جديد يبلغ 81 في المئة في سنة 2035.
كما توصلت القمة إلى اتفاق في شأن أحكام المادة 6.4، التي تتيح لشركة في أي دولة تحقيق أرباح بخفض الانبعاثات محليا وبيع تلك الأرصدة لشركة أخرى في دولة أخرى. ورأت سجلات الكربون ذلك يساعد في التعاون بين القطاعين العام والخاص في هذا الموضوع ويُحسّن التمويل المناخي.
ومن خلال اعمال القمة ايضا جرى التوصل إلى اتفاق تاريخي يوفر تمويلاً سنوياً بقيمة 300 مليار دولار لصالح الدول النامية، التي كانت تطالب بمبالغ أكبر بكثير لمكافحة التغير المناخي. وقد وافقت الدول الفقيرة على هذا الالتزام المالي من الدول المتقدمة حتى عام 2035، في خطوة وصفت بأنها “أساس يمكن البناء عليه” من قبل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش. ومع ذلك، لم يكن جميع المشاركين راضين عن الاتفاق. فقد نددت الهند بتجاهل مخاوفها خلال المفاوضات، مشيرة إلى أن القضايا التي تهمها لم تحظَ بالاهتمام الكافي.
وحثت أذربيجان الدول على مواصلة السعي، فيما حددت المسودة هدفاً أوسع لجمع 1.3 تريليون دولار في تمويل المناخ سنوياً بحلول عام 2035، بما يشمل التمويل من جميع المصادر العامة والخاصة. وخلال المفاوضات، طالب تحالف الدول النامية المعروف بـ “مجموعة 77” الذي يضم أكثر من 134 دولة، طالب الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة أن تُخصص ما لا يقل عن 500 مليار دولار سنوياً للمناخ بحلول 2030.
وفي الإطار ذاته أكدت المجموعة العربية أنها لن تقبل بأي نص يستهدف أي قطاعات محددة كالوقود الأحفوري”، بعد عام على اختتام مؤتمر “كوب 28” في دبي باتفاق حول التخلي التدريجي عن النفط والغاز والفحم.
وعن الموقف الإفريقي، فقد جاء منددا بموقف الدول الكبرى من مسألة الإلتزامات المالية، ذلك أن الالتزام بحشد مزيد من التمويل بحلول عام 2035 يعد ضعيف جداً ومتأخر جداً وغامض جداً من جهة تنفيذه”. وفي هذا السياق اشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش الى رغبته في التوصل إلى نتيجة أكثر طموحاً، من أجل مواجهة التحدي الكبير الذي نواجهه”، داعياً الحكومات إلى اعتبار هذا الاتفاق أساساً لمواصلة البناء” عليه.
وفي ختام أعمال القمة اعتمد المؤتمر قواعد جديدة تتيح للدول الغنية تحقيق أهدافها المناخية من خلال تمويل مشاريع خضراء في دول أفريقيا وآسيا بدلاً من خفض انبعاثاتها الخاصة من الغازات الدفيئة. ويأتي هذا القرار الذي اتخذته الدول المجتمعة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في باكو بالكثير من التقدير والنجاح لأعمال القمة. حيث كانت أرصدة الكربون تستخدمها أساساً الشركات الراغبة في خفض انبعاثاتها، وهي سوق لا تلتزم بقواعد دولية وشهدت عديداً من الفضائح، لكن من الآن فصاعداً، ومن أجل تحقيق أهدافها المناخية الناشئة عن اتفاق باريس سوف تتمكن البلدان الغنية الملوثة من شراء أرصدة الكربون من خلال التوقيع على اتفاقات مباشرة مع بلدان نامية. وهذا الإجراء منصوص عليه في اتفاق باريس لعام 2015، وقرار في قمة كوب 29 يجعله ساري المفعول.
ويتعين على البلدان الغنية أن تمول أنشطة تعمل على الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي في البلدان النامية: زراعة الأشجار أو استبدال مركبات كهربائية بالمركبات العاملة بالوقود أو الحد من استخدام الفحم. ويحسب هذا الخفض في الانبعاثات في البصمة الكربونية للدول الغنية الممولة للمشاريع.
واستباقاً للضوء الأخضر الذي كان متوقعاً في باكو تم التوقيع على 91 اتفاقاً ثنائياً معظمها من اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة لـ141 مشروعاً رائداً، وفق حصيلة وضعتها الأمم المتحدة حتى السابع من نوفمبر. وتعد سويسرا دولة رائدة في هذا الصدد، فقد وقعت مثلاً مع غانا اتفاقاً للحد من انبعاثات غاز الميثان الناتجة عن النفايات واتفاقاً مع تايلاند لتمويل حافلات كهربائية في بانكوك، وهو الاتفاق الوحيد الذي اكتمل تنفيذه حتى الآن.
انتهت أعمال قمة كوب 29 في باكو بأذربيجان وسط نجاح كبير في التنظيم والاستقبال والرعاية من قبل الرئيس إلهام علييف والقيادات الآذرية لكن تبقى الآمال معلقة على مدى استجابة الدول الكبرى على الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها المالية في سبيل إنهاء التقلبات المناخية الناتجة عن التغير المناخي والانتقال الحقيقي للتنمية المستدامة على المستوى العالمي.