تحت مسمى التواصل الاجتماعى تحولت المنصات المختلفة إلى حيتان سياسية تتلاعب بمصائر الدول وتتداخل فى الحروب والصراعات لتتكشف أسباب إنشائها، تكرر الأمر كثيراً من خلال تسليط الضوء على أزمات انتخابية وتأثير على الآراءـ بل زادت خطورة الأمر بعد القبض على مؤسس تليجرام الذى يبدو أن هناك ريبة غير مفهومة لدى الرجل متعدد الجنسيات بعد توجيه القضاء الفرنسى اتهامات السماح بنشاط إجرامى على تطبيق المراسلة، ليذكرنا بأزمات موقع إكس والفيس بوك والتيك توك.
تليجرام.. صندوق روسيا الأسود
خاض الملياردير الروسى أسبوعاً صعباً فى باريس حتى بعد الإفراج عنه بشرط أن يذهب إلى مركز للشرطة مرتين فى الأسبوع دون مغادرة فرنسا . بعد توجيه عريضة طويلة من الانتهاكات إليه، منها نشر صور جنسية للأطفال، بالإضافة إلى الاتجار بالمخدرات، وامتد الأمر الى اتهام التطبيق صاحب المليار مستخدم بجدل حول حرية التعبير والرقابة الحكومية، فضلاً عن استخدامه المزعوم من قبل المنظمات الإرهابية وتجار الأسلحة والجماعات اليمينية المتطرفة للتواصل والتجنيد والتنسيق.
وروج بافل دوروف مرارًا وتكرارًا لسياسات الاعتدال البسيطة التى تنتهجها المنصة والتزامها بحرية التعبير، ونجح لحد كبير فى تجنب التدقيق العام الذى يواجهه كبار المسئولين التنفيذيين فى شركات التكنولوجيا الأخرى، مثل إيلون ماسك ومارك زوكربيرج منذ تأسيس التطبيق مع شقيقه عام ٢٠١٣ ومغادرته روسيا بعد عام من التدشين رافضاً الامتثال لمطالب الكرملين بإغلاق مجموعات المعارضة على شبكة التواصل الاجتماعى VK
حاولت روسيا حظر تيليجرام فى عام 2018، لكنها رفعت جميع القيود المفروضة على المنصة بعد أن صرحت السلطات الروسية بأن دوروف مستعد للتعاون فى مكافحة الإرهاب والتطرف ، وصور نفسه على أنه منفى روسى فى حين زيارته موسكو أكثر من 50 مرة بين عامى 2015 و2021، مما أدى إلى تجدد التكهنات حول ارتباطه بالكرملين حسب الجارديان.
واعتبر مسئولون القبض عليه سياسياً من جانب الإدارة الفرنسية ، وادعت الصحف لقاءه بالرئيس ايمانويل ماكرون قبل حصوله على الجنسية الفرنسية ووذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن ماكرون اقترح فى عام 2018 أن ينقل دوروف مقر تيليجرام إلى باريس، وهو العرض الذى رفضه مؤسس تليجرام
منذ بدء الغزو الروسى الشامل فى فبراير 2022، عمل تطبيق تيليجرام كأداة اتصال داخل الجيش الروسى ومنصة للكرملين لنقل روايته عن الحرب إلى الروس العاديين.
إلى ذلك لفتت قناة «بازا» على تطبيق «تيليجرام» التابعة لجهاز الأمن الروسي، أن وزارة الدفاع ورجال أعمال بارزين وضباط من العديد من وكالات الأمن تلقوا تعليمات سريعة بحذف الرسائل المتعلقة بالعمل من التطبيق وخاصة أن هناك ٨٠٪ من إجمالى حركة الرسائل فى روسيا – قد يكون له تأثير بعيد المدى على المجتمع الروسي. وسيضطر فى ذلك قادة الجيش الروسى تغيير سياستهم فى التواصل.
كما يستخدم المواطنون الأوكرانيون العاديون والجيش فى البلاد تطبيق تيليجرام لجمع الأموال للجيش والتدوين عن الحرب. ومع ذلك، من المعروف أن الجيش يعتمد بشكل أساسى على منصة سيجنال فى الاتصالات الداخلية.
وقال مدير الاستخبارات الخارجية الروسي، سيرغى ناريشكين، مؤخرا فى مقابلة مع وكالة تاس، إنه يتوقع ألا يشارك دوروف أى معلومات من شأنها الإضرار بالدولة الروسية مع الحكومات الفرنسية وغيرها من الحكومات الغربية.
لم يكن التليجرام مصدر ثقة روسيا فقط بل فرنسا التى أصدرت القبض عليه حيث يستخدمه مشرعون وأعضاء فى مجلس الوزراء ومستشارون رئاسيون ويتم استخدام تطبيق المراسلة المشفرة بشغف داخل الدوائر السياسية والإعلامية – بما فى ذلك من قبل الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون نفسه منذ حملته الرئاسية.
ورداً على الاتهامات الموجهة لماكرون قال إن اعتقال دوروف «ليس قرارًا سياسيًا بأى حال من الأحوال»، «فرنسا ملتزمة بشدة بحرية التعبير والتواصل والابتكار وروح ريادة الأعمال، ستظل كذلك».
وفى بيان صدر بعد اعتقال دوروف، أصرت تيليجرام على أنها «تلتزم بقوانين الاتحاد الأوروبى» وأن رئيسها التنفيذى «ليس لديه ما يخفيه ويسافر كثيرًا فى أوروبا».
كما حث كبار المسؤولين فى الجمعية الوطنية الفرنسية المشرعين ــ دون جدوى ــ على «الحد» من استخدامهم لتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعى وخدمات الرسائل، بما فى ذلك تيليجرام. وفى الحالتين، تم تشجيع أعضاء البرلمان وأعضاء مجلس الوزراء على استخدام بدائل فرنسية أقل شهرة.
*الفيس بوك .. ضغوط وتحذيرات وحظر
يعتبر الفيس بوك الموقع الأشهر اجتماعياً وشعبياً على مستوى العالم ، ويتم توجيه السياسات فيه بشكل صريح وواضح ذلك جلياً خلال حرب غزة واستخدام الخوارزميات ومنع كل ما هو مهاجم لاسرائيل وعنفها على المدنيين.
وآخر الأزمات السياسية التى واجهت مارك زوكربيرج تحذير الرئيس الأميركى دونالد ترامب له بقضاء بقية حياته فى السجن حال التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وفى كتاب من المقرر نشره الأسبوع المقبل، زعم ترامب أن رئيس التكنولوجيا الملياردير «قاد» فيسبوك ضده خلال الحملة الانتخابية لعام 2020. وبحسب موقع بوليتيكو، كتب ترامب: «لقد أخبرنى بأنه لا يوجد أحد مثل ترامب على فيسبوك. ولكن فى الوقت نفسه، ولسبب ما، وجهها ضدى» .
وفى محاولة من جانب زوكربيرج للبعد عن الخلافات السياسية الأمريكية قال انه لن يقدم أى مساهمات مالية خلال انتخابات 2024. وفى الرسالة، قال: «هدفى هو أن أكون محايدًا ولا ألعب دورًا بطريقة أو بأخرى».يأتى ذلك بعد اعتراف زوكربيرج أمام لجنة أمريكية بأن فيسبوك تعرض «لضغوط متكررة» من قبل إدارة جو بايدن لمنع المعلومات المضللة حول كوفيد-19، مضيفًا أن الدعوات إلى الرقابة على المحتوى كانت خاطئة، وأعرب عن إحباطه لأن الشركة امتثلت فى النهاية لهذه الطلبات، وقال إنها «مستعدة للرد» فى المرة القادمة.
تبدو الرسالة الاعتذارية التى أرسلها الرئيس التنفيذى لشركة ميتا إلى الجمهوريين فى الكونجرس وكأنها استسلام فى الحروب السياسية المستمرة منذ فترة طويلة على وسائل التواصل الاجتماعى.
ويرى نو ويكسلر، الموظف الديمقراطى السابق فى الكونجرس والمتحدث السابق باسم العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى فى واشنطن، بما فى ذلك شركة ميتا، أن رسالة زوكربيرج هى محاولة لإخماد الغضب الجمهورى طويل الأمد بشأن تحيز ميتا المناهض للمحافظين قبل نوفمبر – وهو ما قد يشهد ترامب. العودة إلى منصبه والانتقام من منصات التكنولوجيا التى يُزعم أنها ظلمته
*إكس ماسك .. ملياردير الأزمات السياسية
بطل الأزمات السياسية الذى احتك بعدة شخصيات بالدول العظمى بداية من خصومته مع ترامب قبل أن يتحول الى حليف انتخابى له ويروج له عبر منصته ، يعمل إيلون ماسك بسرعة على تحويل ثروته الهائلة – فهو أغنى شخص فى العالم – إلى مصدر ضخم للقوة السياسية غير الخاضعة للمساءلة والتى تدعم الآن ترامب وغيره فى جميع أنحاء العالم.
إيلون ماسك الذى بات يتردد اسمه مع كل أزمة حول منصته إكس تويتر سابقاً إلى ساحة لتصفية الحسابات واستخدامها فى الانتخابات الأمريكية وكان لهاريس نصيب فيها ، حتى لم تسلم بريطانيا منه حينما اندلعت الاحتجاجات العنيفة الشهر الماضى ، نشر معلومات مضللة حول هجوم مميت على تلميذات فى المدرسة. لم يسمح ماسك لمروجى الكراهية بنشر هذه الأكاذيب فحسب، بل أعاد نشرها ودعمها .
وتردد اسمه خلال الثلاثة ايام الماضية بعد مطالبة القاضى الأعلى فى البرازيل أصدر أمرا «بتجميد» أموال أعمال الأقمار الصناعية للإنترنت فى البلاد ومنعها من إجراء معاملات مالية فى أكبر دولة فى أمريكا اللاتينية.
قالت شركة ستار لينك على X إن الإجراء كان بسبب المواجهة بين منصة التواصل الاجتماعى الخاصة بماسك وقاضى المحكمة العليا البرازيلية ألكسندر دى مورايس، وهدد ماسك بتعليق الموقف فى البلاد.
واتخذ المسؤولون البرازيليون فى الأشهر الأخيرة إجراءات ضد حسابات وسائل التواصل الاجتماعى التى تنشر معلومات مضللة وخطاب الكراهية فى مواجهه 40 مليون شخص فى البرازيل، أى ما يقرب من خمس سكان البلاد.
وبرر ماسك أنه يملك نحو 40% من «سبيس إكس»، «لذا فإن هذا الإجراء غير القانونى على الإطلاق الذى اتخذه الديكتاتور» مورايس «يعاقب بشكل غير لائق المساهمين الآخرين وشعب البرازيل.
واتهم وزير خارجية ولاية ميشيغان لجنة أميركا باك المدعومة من ماسك بخداع الناس لمشاركة بياناتهم الشخصية. وفقًا لتقرير جديد صادر عن مركز مكافحة الكراهية الرقمية، نشر ماسك نفسه 50 ادعاءً كاذبًا بشأن الانتخابات على موقع X حتى الآن هذا العام. وقد بلغ إجمالى عدد مشاهداتهم 1.2 مليار مشاهدة. ولم يكن لدى أى منهم «ملاحظة مجتمعية» من نظام التحقق من الحقائق المفترض فى X.
وفى ذلك تتزايد الأدلة على أن روسيا وعملاء أجانب آخرين يستخدمون برنامج إكس لتعطيل السباق الرئاسى هذا العام، وربما لصالح ترامب. ولم يفعل ماسك الكثير لمنعهم مما اضطر الاتحاد الأوربى لتحذيره نظراً للمحتوى الضار الذى يؤدى إلى الكراهية والعنف وكان رد ماسك عبارة عن ميم يقول: اذهب إلى الجحيم بوجهك!»
يصف إيلون ماسك نفسه بأنه «مدافع مطلق عن حرية التعبير»، لكنه قبل أكثر من 80% من طلبات الرقابة من الحكومات الاستبدادية. وقبل يومين من الانتخابات التركية، حظر الحسابات التى تنتقد الرئيس رجب طيب أردوغان.
ويبدو أن علاقاته الودية مع البعض تتزامن فى كثير من الأحيان مع المعاملة المفيدة لأعماله التجارية، فبعد وقت قصير من اقتراح ماسك تسليم تايوان للحكومة الصينية ، حصلت تيسلا على تخفيض ضريبى من الحكومة الصينية.
وفى عام 2021، أبرمت الولايات المتحدة عقدًا سريًا بقيمة 1.8 مليار دولار مع شركة سبيس إكس ، والذى يتضمن إطلاق أقمار صناعية سرية وعسكرية، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال. وتشكل الأموال الآن جزءًا مهمًا من إيرادات سبيس إكس.
كما تعاقد البنتاغون مع خدمة النطاق العريض ستارلينك التابعة لشركة سبيس إكس لدفع ثمن روابط الإنترنت، على الرغم من رفض ماسك فى سبتمبر 2022 السماح لأوكرانيا باستخدام ستارلينك لشن هجوم على القوات الروسية فى شبه جزيرة القرم. وفى أغسطس أعطى البنتاغون وحدة ستارشيلد التابعة لشركة سبيس إكس 70 مليون دولار لتوفير خدمات الاتصالات لعشرات شركاء البنتاغون.
وفى الوقت نفسه، تسيطر شركة سبيس إكس على سوق إطلاق الصواريخ. وكانت صواريخها مسؤولة عن ثلثى الرحلات من مواقع الإطلاق الأمريكية فى عام 2022، وتعاملت مع 88% منها فى الأشهر الستة الأولى من هذا العام.
* تيك توك ..اتهامات بالتجسس الصينى
تسللت حملة التجسس الصينية إلى شبكات اتصالاتنا عبر شركات الاتصالات التابعة لها، مثل هواوى وزد تى إي، وعن طريق بيع أجهزة توجيه رخيصة لنا بها ثغرات أمنية معروفة لم يتم إصلاحها بعد . ولكن لا يوجد شىء أكثر انتشارًا من الطريقة التى تستخدم بها الصين أجهزتنا المحمولة كأسلحة عبر التطبيقات.
فقد استجاب الكونجرس بالإجماع تقريبا لتحذيرات مدير الاستخبارات الوطنية وآخرين من إلزام تيك توك بقطع علاقاتها المالية مع شركتها الأم (والشركة التابعة للحكومة الصينية المعروفة) بايت دانس. وقد رفعت وزارة العدل دعوى قضائية ضد الشركة لانتهاكها الصارخ لقوانين الخصوصية الفيدرالية، وتحقق الولايات فى العديد من انتهاكات الخصوصية الأخرى، ومع ذلك، تواصل شركة أبل الترويج للتطبيق، وتصنفه على أنه «أساسي» مع جائزة «اختيار المحرر». تيك توك ليس سوى قمة جبل الجليد. فمئات التطبيقات على متجر تطبيقات آبل تعترف علناً بتقديم بيانات حساسة للصين