من أخلاق الرسول (6)

وصفه ربه قائلا: “وإنك لعلى خلق عظيم”.. ومهما وصفه الواصفون، ومدحه المادحون، فلن يبلغوا معشار حقيقة أخلاق الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم.. كان الاتزان، بين الروح والجسد، وبين الدنيا والآخرة، أهم ما يميز تصرفاته، وأخلاقه، صلى الله عليه وآله وسلم.

 

فإن ضبط النفس، أو العِفَّة بأوسع معانيها، هو اعتدال الميل إلى اللذائذ، وخضوعه لحكم العقل، وليس ذلك مقصورا على اللذائذ الجسمية، بل يشمل أيضا اللذات النفسية، كالانفعالات والعواطف، فلا يسمى الشخص ضابطا لنفسه، إلا إذا اعتدل في لذاته الجسمية من مأكل ونحوه، واعتدل أيضا في انفعالاته فلم يغضب لأي داع، ولم يندفع في السير وراء عواطفه.

 

عبادة الشهوات

أي أن يكون الإنسان سيد نفسه، لا عبدا لشهوات تسيره كما تشاء. والناس إزاء الملذات أصناف، فمنهم من ذهب إلى الزهد وقمع الشهوات، وقالوا: إن شهوات النفس غير متناهية، فإذا أعطاها المراد من شهوات وقتها تعدتها إلى شهوات قد استحدثتها، فيصير الإنسان أسير شهوات لا تنقضي، وعبد هوى لا ينتهي.

 

هؤلاء يرون أن أرق أنواع الحياة الأخلاقية محاربة الشهوات، فلا يتزوجوم مثلا، ولا يأكلون اللحوم، ولا يمكنون النفس من مأكل أنيق، أو ملبس جميل.. وبالغ بعض الزهاد فلم يكتف بقمع الشهوات بل تعداها إلى تعذيب النفس بالقيام في الشمس في أشد ساعات الحر.. وهكذا.

 

أما الأمور عند رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فهي مختلفة.. فقد مدح رجل عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بأنه يقوم الليل ويصوم النهار، وينقطع للعبادة، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “فمن يقوم بشأنه”؟ قالوا: كلنا، قال: “كلكم خير منه”.

 

من أعظم من رسول الله؟!

قال سانت هيلر: “كان محمد رئيسًا للدولة وساهرًا على حياة الشعب وحريته، وكان يعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبي بين ظهرانيها، فكان النبي داعيًا إلى ديانة الإله الواحد وكان في دعوته هذه لطيفًا ورحيمًا حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة”.

وأضاف المفكر الفرنسي لامارتين: هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟

وقال سنرستن الآسوجي: “إننا لم ننصف محمدًا إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات وحميد المزايا، فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية، مصرًا على مبدئه، وما زال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين، فأصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ”.

السير موير: “إن محمدًا نبي المسلمين لقب بالأمين منذ الصغر بإجماع أهل بلده لشرف أخلاقه وحسن سلوكه، ومهما يكن هناك من أمر فإن محمدًا أسمى من أن ينتهي إليه الواصف، ولا يعرفه من جهله، وخبير به من أمعن النظر في تاريخه المجيد، ذلك التاريخ الذي ترك محمدًا في طليعة الرسل ومفكري العالم”.

 

وقال إدوارد لين الإنكليزي في كتابه “أخلاق وعادات المصريين”: إن محمدًا كان يتصف بكثير من الخصال الحميدة، كاللطف والشجاعة ومكارم الأخلاق، حتى أن الإنسان لا يستطيع أن يحكم عليه دون أن يتأثر بما تتركه هذه الصفات في نفسه من أثر، كيف لا، وقد احتمل محمد عداء أهله وعشيرته بصبر وجلد عظيمين..

 

ومع ذلك فقد بلغ من نبله أنه لم يكن يسحب يده من يد من يصافحه حتى ولو كان يصافح طفلًا، وأنه لم يمر يومًا من الأيام بجماعة رجالًا كانوا أو أطفالًا دون أن يقرئهم السلام، وعلى شفتيه ابتسامة حلوة، وقد كان محمد غيورًا ومتحمسًا، وكان لا يتنكر للحق ويحارب الباطل، وكان رسولًا من السماء..

 

وكان يريد أن يؤدي رسالته على أكمل وجه، كما أنه لم ينس يومًا من الأيام الغرض الذي بعث لأجله، ودائمًا كان يعمل له ويتحمل في سبيله جميع أنواع البلايا، حتى انتهى إلى إتمام ما يريد.

 

فخر للإنسانية جمعاء

المؤلف الكبير ماكس فان برشم، في مقدمة كتابه “العرب في آسيا”: الحق أن محمدًا هو فخر للإنسانية جمعاء وهو الذي جاءها يحمل إليها الرحمة المطلقة فكانت عنوان بعثته “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.

أما المهاتما غاندي، فقال: “أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر. لقد أصبحت مقتنعًا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. 

 

هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسفًا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة”.

 

ويرى سنرستن الآسوجي أستاذ اللغات السامية، في كتابه “تاريخ حياة محمد”: “إننا لم ننصف محمدًا إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات وحميد المزايا؛ فلقد خاض محمد معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية، مصرًا على مبدئه، وما زال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين، فأصبحت شريعته أكمل الشرائع، وهو فوق عظماء التاريخ”.

 شديد التسامح

لورافيشيا فاغليري: “كان محمد صلى الله عليه وسلم المتمسك دائمًا بالمبادئ الإلهية شديد التسامح، وبخاصة نحو أتباع الأديان الموحدة. لقد عرف كيف يتذرع بالصبر مع الوثنيين، مصطنعًا الأناة دائمًا اعتقادًا منه بأن الزمن سوف يتم عمله الهادف إلى هدايتهم وإخراجهم من الظلام إلى النور.. لقد عرف جيدًا أن الله لابد أن يدخل آخر الأمر إلى القلب البشري”.

 

واشنجتون إيرفنج: “كانت تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في أعقاب فتح مكة تدل على أنه نبي مرسل لا على أنه قائد مظفر؛ فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي، ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو”.