* الرئيس تعهد منذ اليوم الأول بمواجهة الواقع وتداعياته.. وطالب الشعب بتحمل المسئولية إلى جواره
* المهمة ثقيلة.. والأزمات تتفاقم.. ومهددات الأمن القومي لا تخفى على أحد
* الرئيس يدرك معاناة الشعب.. والواقع حتمًا سيتغير للأفضل
لا يزال حديث الشارع المصري يدوي، تساؤلات عديدة حول كلمات أطلقها العميد غريب عبد الحافظ، خلال الحوار الذي أداره رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة خلال اجتماع المجلس العسكري.
«هوّن على نفسك» هل هو إدراك منه لخطورة الأوضاع الداخلية التي تواجه مصر في هذه الفترة، والتي لا تخفى على أحد؟ أم هي التحديات التي تواجه الأمن القومي المصري على جميع الاتجاهات الاستراتيجية والتي أشار إليها الرئيس السيسي خلال الاجتماع المهم الذي عقد الأسبوع الماضي؟ أم كان يقصد العمل الدؤوب، والجهد المتفاني الذي يقوم به الرئيس؟ أم لهذه الأسباب مجتمعة؟!
بالفعل فأنت لا تستطيع الفصل بين هذه الأسباب وتداعياتها، ذلك أن الرئيس ومنذ الثامن من يونيو 2014 أخذ على عاتقه مهمة بناء الدولة وتسليح الجيش والإصلاح الاقتصادي في البلاد..
كانت المهمة صعبة، ومعقدة لم تكن الدولة في أحسن حالها، فهي لم تخرج بعدُ من آثار الفوضى العارمة التي انعكست على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد التي سادت لسنوات طويلة، ثم تفاقمت بعد أحداث 25 يناير 2011.
كان الرئيس يدرك منذ البداية حقائق الأوضاع، يعرف تمامًا أن المهمة صعبة وأن التحديات كبيرة، لكنه عقد العزم على المواجهة، فالمقاتل الوطني لا يهرب من الميدان مهما كانت قوة العدو في مواجهته.
كان خطابه في 26 من مارس 2014، قبل الترشح بشهور قليلة كاشفًا. لقد قال: إنه قرر خلع الزي العسكري الذي ظل يرتديه منذ عام 1970، كان عمره وقتها خمسة عشر عامًا، لقد خرج السيسي لتوه من اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حيث تعهد الجميع بالوقوف خلفه لإنجاز المهام الوطنية المطروحة.. وعد السيسي المصريين في هذا الخطاب بأنه إذ أتيح له شرف القيادة بأن يحقق لمصر الأمن والاستقرار والأمل ويجعل مصر خالية من الخوف والإرهاب.
كان المشير السيسي يتحدث بقلب مفتوح في خطابه التليفزيوني قال: نحن المصريين لدينا مهمة شديدة الصعوبة، ثقيلة التكاليف. وأضاف: الحقائق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية في مصر، وصلت إلى الحد الذي يفرض المواجهة الأمينة والشجاعة لهذه التحديات.
قال السيسي: إن المصريين يستحقون العيش بكرامة وأمن وحرية، أمامنا مهام عسيرة، أولاها: إعادة بناء جهاز الدولة الذي يعاني حالة ترهل تمنعه من النهوض بواجباته. لابد من إعادة عجلة الإنتاج إلى الدوران في كل القطاعات لإنقاذ الوطن من مخاطر حقيقية يمر بها. إعادة ملامح الدولة وهيبتها، مهمتنا استعادة مصر وبناؤها.
تحدث المشير عن مصر التي باتت أرضًا مستباحة للبعض خلال الفترة السابقة، مشددًا على أنه آن الأوان لإيقاف هذا الاستهتار وهذا العبث.. كان السيسي يتحدث عن اللحظة «الفارقة» مؤكدًا أن مصر ليست ملعبًا لطرف داخلي أو إقليمي أو دولي ولن تكون.
وبعد أن أسهب المشير السيسي، المرشح الرئاسي، في الحديث عن الواقع وتداعيات الأزمة قال: نريد الوطن لكل أبنائه، دون إقصاء أو استثناء، فجميعنا شركاء في المسئولية..
كانت طموحات المرشح كبيرة، كنا ندرك حقائق الواقع وتفاصيل الأزمة، لكنه منح الأمل للجماهير التي انتظرت هذه اللحظة الفاصلة في تاريخ الوطن عندما قال: أقف أمامكم وليس بي ذرة يأس أو شك، بل كلي أمل في الله وفي إرادتكم لتغيير مصر نحو الأفضل، والدفع بها إلى مكانها الذي تستحقه بين الأمم، مؤكدًا أن صناعة المستقبل هي عمل مشترك، وسوف يكون العمل الشاق مطلوبًا من كل مصري أو مصرية قادرين على العمل، وسأكون أول من يقدم الجهد والعرق دون حدود من أجل مستقبل تستحقه مصر.
كانت تلك بعض فقرات احتواها خطابه المهم الذي أعلن فيه قرار الترشح في الرابع والعشرين من مارس من عام 2014، لم يكن السيسي يغالي، وإنما كان يعد ببذل الجهد والعرق من أجل بناء مصر الحديثة، ومن أجل تحقيق الأمن والاستقرار على أرض الوطن..
ومضت الأيام وانتخب السيسي بنسبة تصويت لصالحه تعدت الـ 97%، انطلقت مسيرة العمل في كل الاتجاهات. كنا أمام بلد يعيث فيه الإرهاب سيناء مخطوفة، أحداث رابعة لا تزال تدوي، عمليات عنف وتحريض لا تتوقف، تجميد عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي، حملات غربية لا تتوقف متهمة انحياز الجيش لثورة الشعب في 30 من يونيو، بأنها ليست سوى انقلاب عسكري. معدل نمو متراجع للغاية لا يتعدى 2.6%. احتياطي نقدي يتأرجح بين 16 و18 مليار دولار فقط. مؤسسات الدولة تآكلت، أوضاع اقتصادية واجتماعية متردية، العشوائيات الخطرة تزحف في كل مكان، مساحة الأرض الزراعية تتآكل، القاهرة والعديد من المناطق الأخيرة باتت مختنقة، الصرف الصحي لا يزال بعيدًا عن آلاف القرى والمراكز، الجيش في حاجة إلى التحديث والتدريب والمزيد من الأسلحة الحديثة. لم يكن الواقع سهلًا، كانت الأزمات متفاقمة، وأحوال البلاد متردية، وطلقات الرصاص تدوي بطول مصر وعرضها من جرّاء أعمال الإرهاب، ظلت سيناء مخطوفة منا لفترة ليست بالقليلة..
كانت تلك هي الصورة المؤلمة.. انظر إلى الواقع الجديد بعد أكثر من عشر سنوات مضت على حكم الرئيس، صحيح أن هناك أزمات اقتصادية وغلاء في الأسعار والمعيشة لا يمكن إنكاره، وصحيح أن الشعب المصري تحمّل كثيرًا، حتى أن الرئيس قال في إحدى خطبه «يستحق وسام الصبر والصمود»، لكن الحقيقة التي لا تنكر أن هناك وطنا آمنا ومستقرًا، يحميه جيش قوي يحمي الأمن القومي وشرطة باسلة تتفانى في حماية الداخل..
أنا لا أريد أن أعدد ما تحقق خلال السنوات الماضية، ولا أريد أن أقول إن الحال الذي نعيشه هو الأفضل، هناك مشاكل، وهناك تداعيات إقليمية ودولية انعكست على واقع مصر، وتسببت في مزيد من المشكلات والانفاق، ولكن من ينكر أن لدينا دولة بمعنى الكلمة؟ وأن مؤسسات هذه الدولة تظل شامخة؟ وأن هناك مؤسسات عادت بكل قوة وشموخ؟ وأن جيشنا في مرتبة متقدمة بين جيوش العالم؟ وأن هذا الجيش هو الذي يحمي مصر من أية تهديدات متوقعة؟ إن الدولة التي تريد أن تبني وأن تنهض وأن تتقدم قطعًا ستدفع الثمن لا يمكن للطالب الذي يسعى إلى التفوق إلا أن يبذل الجهد، وأن يتنازل عن كثير من مطالبه الخاصة والحياتية، حتى يتمكن من تحقيق النجاح والتفوق، وقس على ذلك. لقد فعلتها الصين التي انطلقت بكل قوة بعد وفاة «ماو» في عام 1976، حيث بدأت الإصلاحات الاقتصادية على يد الزعيم الجديد «دينغ شياو بينغ» ضحت كثيرًا وتحمل شعبها الأزمات وتبعاتها، ولكن انظر إلى الصين الآن، إنها المنافس الأول لأمريكا والعالم الغربي، باتت أسطورة لا تصدق، كل ذلك لم يأت اعتباطًا أو بلا ثمن، لكنها العزيمة والإصرار، التخطيط الصحيح والعمل في كل المجالات..
وهنا في مصر من يتجاهل هذا الواقع الجديد، هذه النهضة العمرانية، وهذا التطور الكبير في مساحة الأرض الزراعية، والبنية التحتية، والسعي إلى رد الاعتبار إلى النهضة الصناعية؟ لا أريد أن أدخل في التفاصيل لكنني – كما غيري – على ثقة بأن ذلك لم يأت فجأة، أو صدفة، بل هو تخطيط وجهد ودأب.
كان الرئيس دومًا هو عنوان «الحدث» في جميع المجالات لا يتوقف عن العمل وعن الجهد المتواصل، لكنه مهموم، قطعًا مهموم، من جرّاء الأزمات المحيطة بنا من كل اتجاه، من جرّاء الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجه مصر وتنعكس على أحوال الناس، مهموم بمواجهة الشائعات التي تطال كل شيء وتسخف من كل عمل وتشوه كل إنجاز وكل القائمين عليه.
لكن عزيمة الرجال لا تعرف اليأس والإحباط، ذلك أن أي مشروع وطني حضاري لا بد أن يخلق له أعداء، فما بالك وأعداؤنا ينتظرون؟! هؤلاء الذين أسقطهم الشعب، وأولئك الذين يخدمون أهدافًا هي بعيدة عن مشكلات الوطن وطموحاته، هؤلاء يخططون كيف لنا أن تسقط الدولة المصرية، أبواق عميلة من الخارج، وأبواق فاسدة من الداخل، الكل يوجه قذائفه إلى ساحة الوطن وإلى كل المخلصين من أبناء هذا البلد.
إن القارئ للواقع الصعب، والمواجهة التي لا تتوقف، لا يستطيع إلا أن يردد ذات العبارة التي أطلقها العميد غريب عبد الحافظ: هوّن على نفسك يا ريس..
لكن السؤال المقابل: وكيف يهون على نفسه، وهو يعلم – أكثر من غيره – حقائق الواقع الصعب ومهددات الأمن القومي، وعبث الصغار، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتداعياتها، ومطلوب منه بوصفه الرئيس أن يتصدى لكل هذه الأزمات والمشكلات.. ؟!
الحمل ثقيل، والمهمة صعبة، والأوضاع معقدة، ولا نملك سوى القول: كان الله في عونك يا سيادة الرئيس، الناس صامدون، ولديهم أمل كبير في تحسن الواقع، وإنهاء الأزمات المتفاقمة.