ألقت الانتخابات الأمريكية بظلالها على واحدة من أقدم وأهم الصحف في الولايات المتحدة، واشنطن بوست، التي وجدت نفسها في مواجهة أزمة غير مسبوقة.
وتعود جذور هذه الأزمة إلى قرار مالك الصحيفة، جيف بيزوس، بالتخلي عن تقليد قديم يقضي بتأييد أحد المرشحين الرئاسيين، مما أثار جدلًا واسعًا بين أعضاء مجلس تحرير الصحيفة وقرائها.
ففي ظل ترشيح كامالا هاريس من الحزب الديمقراطي ودونالد ترامب عن الحزب الجمهوري، كان من المعتاد أن تحدد الصحيفة موقفها بالاصطفاف خلف أحدهما، غير أن بيزوس، مؤسس أمازون ومالك واشنطن بوست، قرر كسر هذا التقليد، مثيرًا بذلك تساؤلات حول تأثير مصالحه التجارية على هذا القرار.
فوفقًا لموقع أكسيوس الأمريكي، رفض الصحفي البريطاني روبرت وينيت تولي منصب رئيس التحرير الجديد للصحيفة بسبب مخاوف تتعلق بالممارسات غير الأخلاقية داخل المؤسسة، ما زاد من حالة الاضطراب بين الموظفين.
وأعلنت الصحيفة الأسبوع الماضي أنها لن تؤيد أي مرشح في الانتخابات، مما أثار ردود فعل غاضبة بين القراء، إذ تلقى قسم الاشتراكات طوفانًا من الرسائل التي هددت بإلغاء الاشتراكات، وتفيد تقارير بأن نحو 200 ألف مشترك ألغوا بالفعل اشتراكاتهم بسبب هذا القرار.
وعلى خلفية ذلك، استقال ثلاثة من أعضاء مجلس تحرير الصحيفة، بمن فيهم ديفيد هوفمان، بعد أكثر من 40 عامًا من العمل، معربين عن استيائهم من قرار بيزوس ورفضه لدعم هاريس في الانتخابات، الذي وصفوه بـ “الخطأ الفادح”.
ويؤكدون في بيانهم المشترك أن الحياد في هذا الوقت الحرج يمثل خطرًا على ديمقراطية البلاد.
هذا الانقسام الداخلي، الذي أبرزته وسائل الإعلام الأمريكية مثل سي إن إن ونيويورك تايمز، يعكس مدى تعقيد العلاقة بين الإعلام ورأس المال، خاصةً في ظل احتدام المنافسة الانتخابية والتوترات السياسية المتزايدة بين بيزوس وترامب، حيث يعد قرار واشنطن بوست نقطة تحول في تاريخها الطويل.
يبدو أن بيزوس، الذي يملك أيضًا شركة “بلو أوريجين” للفضاء وعقودًا ضخمة مع الحكومة الأمريكية، لم يسلم من تهديدات ترامب المستمرة، مما جعل البعض يرون في موقفه الأخير محاولة لتجنب عواقب محتملة.
وتواصل الصحيفة، رغم الأزمة، سعيها للحفاظ على استقلاليتها الصحفية، حتى ولو كان الثمن هو خسارة جزء من قاعدة قرائها.
بهذا القرار، تظل واشنطن بوست في مواجهة تحديات مالية وضغوط سياسية قد تحدد مستقبلها وتؤثر على مصداقيتها ومكانتها ضمن أكبر الصحف الأمريكية.