وحيد حامد.. المبدع لا يموت

 

يظل الاحتفال بميلاد أسطورة الإبداع وحيد حامد عادة سنوية لن تنتهى أبداً بوفاته، فالرحيل بالجسد فقط لكنه يظل خالدًا بأعماله وسيرته ومواقفه العالقة بالأذهان، لذا يظل احتفال العالم بعيد ميلاده، هو احتفاء بأسطورة إبداعية باقية رغم مرور الزمان.

رحل الكاتب الكبير وحيد حامد وترك إرثاً من الإبداع باقياً، كتبه بروحه وأخرج فيه فكره ورؤيته للحياة، فخرجت أعماله من واقع المجتمع ناطقة باسم الناس، فلمست قلوب الناس، وستظل باقية، فالمبدع لا يموت.

وعلى مدار مشوار وحيد حامد الفنى، ونحن نحتفى بميلاده الثمانين، كانت أعماله مثيرة للجدل، فهو دوماً ما يخوض فى أعماق مناطق صعبة، يصعب على غيره الخوض فيها، ما جعله مبدعاً يصعب تكراره، وهذه الأزمات التى خاضها كانت هى السبب فى نجوميته، التى جعلته باقياً وسيظل، فأعماله الفنية السينمائية كانت أو التليفزيونية لم تبتعد عن آثاره الجدل سواء مع مؤسسات الدولة المختلفة أو الرقابة على المصنفات الفنية، ولكنه وقف كحائط صد معلناً المواجهة أياً كانت جهة الصدام، ليرحل وتبقى أعماله مؤرخة لعهود زمنية كاملة.

أولى الأزمات التى واجهها الكاتب وحيد حامد كانت مع فيلم «الغول» والذى طلبت الرقابة من المخرج سمير سيف حذف المشهد الأخير من الفيلم وهو قتل عادل إمام لفريد شوقى بآلة حادة، وتدخل رئيس الرقابة على المصنفات الفنية وقتها حمدى سرور لحل الازمة، وبعد عرض الفيلم تم منعه داخل مصر وخارجها، بعد مطالب البعض باتهامه للدولة بالتواطؤ مع رجل الأعمال، وأن نهايته إسقاط على حادث اغتيال الرئيس السادات، وتم عرض الفيلم بعد توقيع 500 كاتب وفنان على وثيقة تفند آراء الرقباء.

الأزمة الثانية كانت مع فيلم “البرىء” الذى أُنتج عام 1986، وأخرجه عاطف الطيب، الفيلم منع من العرض على شاشة التليفزيون المصرى لمدة 20 عاماً، وأعاده للعرض وزير الاعلام الأسبق صفوت الشريف، خلال تفقده مدينة الإنتاج الاعلامى قابل الفنان احمد زكى وتزامن وقتها تصويره مشاهد فيلم اضحك الصورة تطلع حلوة، وسأله عن فيلم «البرىء» فأخبره «زكى» بأنه ممنوع من العرض، ليذاع مرة ثانية على شاشة التليفزيون المصرى فى أبريل 2005 بعد منعه من العرض 20 عاماً.

كما واجه «الأستاذ» مشكلات عدة مع البرلمان المصرى أولها مع فيلم «سوق المتعة» الذى انتج عام 1999 ووجه النقاد نقدًا شديدًا للفيلم لتضمنه مشاهد جنسية ساخنة اعتبروها مخلة بالآداب العامة، وتقدّموا بطلب إحاطة لسحب الفيلم من دور السينما، وأزمة جديدة مع البرلمان وفيلم «عمارة يعقوبيان»، حيث شكل مجلس الشعب عام 2006 لجنة برلمانية لتقييم الفيلم، وتقدم 112 نائبًا بطلب إحاطة، يطالبون فيه بوقف عرضه لاحتوائه على مشاهد جنسية صارخة تنافى القيم الأخلاقية للمجتمع المصرى.

فى مواجهة الجماعات الدينية المتطرفة، كان حامد على موعد مع العديد من الأزمات، بداية من فيلمه «طيور الظلام»، ووقف أمام القضاء عام 1995، بعد قيام أحد محامى الإخوان برفع قضية ضد العمل، واستكملها بمسلسل «الجماعة» الذى أثار الجدل فى جزئيه.

رحل الكاتب الكبير وحيد حامد عن عمر يناهز 77 عاماً تاركاً خلفه إرثاً فنياً لا ينضب، أرخ لتاريخ المجتمع المصرى منذ السبعينيات وحتى 2020، فهو كاتب شغله الوطن، وحمل هموم مجتمعه ليصل به إلى شاشات الدراما والسينما، فنقل أوجاع المواطن المصرى والعربى بكافة فئاته لتصبح أعماله تأريخاً حقيقياً للمجتمع المصرى فى 40 عاماً، واستطاع كشف عورات أنظمة سياسية واجتماعيه كانت سببا فى دخوله فى العديد من السجالات إعلامياً وقضائياً.

أضاف السيناريست الراحل إلى سجلات السينما والدراما المصرية العديد من الأعمال، أبرزها أفلام «طائر الليل الحزين» و«غريب فى بيتى» و«البرىء» و«الراقصة والسياسى» و«الغول» و«الهلفوت» و«الإرهاب والكباب» و«اللعب مع الكبار» و«اضحك الصورة تطلع حلوة» و«سوق المتعة» و«طيور الظلام» وغيرها، وجسد شخصيات أعماله أبرز نجوم السينما المصرية، وفى مقدمتهم عادل إمام ونور الشريف وأحمد زكى ويسرا ومنى زكى وغيرهم.

ومن أبرز المسلسلات التى تحمل اسمه، «البشاير» و«العائلة» و«الدم والنار» و«أوان الورد» و«الجماعة»، و«بدون ذكر أسماء».

آخر ظهور للكاتب الراحل كان منذ أيام قليلة بمهرجان القاهرة السينمائى، حيث كرمه المهرجان واقيمت له ندوة، يمكن وصفها بندوة الوداع التى حظت لأول مره بحضور جماهيرى وفنى غير مسبوق، تسابق نجوم الفن جميعا لحضور ندوة «الأستاذ» وتحولت الندوة إلى «شهادات رد للجميل» من الفنانين الذين جسدوا أعمال الكاتب الكبير، ورغم انشغاله الدائم بتقديم الشكر لكل من سانده فى مشواره الفنى.

 

قالوا عنه 

يسرا: مبدع لن يتكرر

قالت الفنانة يسرا، إنها كان لها الشرف العظيم والفخر أن تكون جزءًا ولو كان صغيرًا من حياة السيناريست والكاتب الراحل وحيد حامد، مؤكدة انه كانت تعتبره صديق واخ، وكان لديه رؤية عظيمة لعديد من الأمور، وتابعت الفنانة الكبيرة يسرا، كنت أتمنى ان اسجل كل لحظة لوحيد حامد وان اقوم بتدوينها، للاستفادة من خبراته العظيمة.

وأضافت: جلساتى مع وحيد حامد كان يسيطر عليها خوفه على البلد وحبه لها وتفانيه فى عمله كان غير طبيعى ولا يمكن وصفه، وكان أكبر حب فى حياة وحيد حامد هو مصر، ولا أعتقد أنه حالة من الممكن ان تتكرر بسهولة.

وأضافت: مع كل الزخم الفنى الذى قدمه وحيد حامد لم نستفد منه بشكل كاف، والكاتب الكبير كان ملىء بالحكايات، وكان لسة قدامه حاجات كتير يتكلم فيها.

 

درة: حبينا أيامنا مع افلامك

وكتبت الفنانة التونسية درة، عبر حسابها الشخصى على موقع تبادل الصور والفيديوهات «انستجرام»: قبل رحيلك قلت أثناء تكريمك «أنا حبّيت أيامى» ونحن أحببنا أيامك حتى التى لم نعيشها، عشناها فى أفلامك ومن خلال رؤياك الفنية، كان واحدًا ممن ساندوا بدايتى لن أنسى اللحظة التى اخترتى فيها لدور ونيسة وشرفت بالعمل معه فى «الأولة فى الغرام» وكان بمثابة أب ثانى وصديق وأستاذ ومعلم كبير، كنت قبل أن أعرفه وما زلت واحدة من عشاق فنه وكلماته، الله يرحمه ويسعده فى الجنة يا رب، ما يتعوضش وما يتنسيش.

وكتبت الفنانة راندا البحيرى: هو كان برج السرطان حبيبى علشان كده كان حنين أوى الله يرحمه قابلته مره واحده عاملنى بمنتهى الحنية والطيبة أقسم بالله.

 

منى زكى: علمنى معايشة الحاضر

قالت الفنانة منى زكى، أن الكاتب وحيد حامد، أثر فى بشكل كبير فى حياتى، وتابعت: «زمان كنت ممكن اشوف الحاجة من زاوية واحدة بس دلوقتى لازم ألف الدايرة كلها، علشان افهمها كويس، تكوين الرأى محتاج تشوف كل الزوايا وان الزاوية الواحدة هى المتعلقة بربنا بس.

وأكملت منى زكى: «رؤيتك لنفسك بتتغير، أنا شخص بعيش الحاضر اللى هو يعتبر الصور الملونة فى حياتى، لكن الماضى مبيعديش يوم إلا وييجى فيه لمحات، لأشخاص أثرو فينا.

 

طارق الشناوى: حالة استثنائية

وقال الناقد طارق الشناوى، أن الكاتب وحيد حامد حالة استثنائية فى تاريخ الدراما المصرية، هكذا وصفه فى ذكرى ميلاده، لإبداعاته وكتاباته المتميزة التى جعلته يتحول إلى بطل للعمل الفنى، أو أحد أهم أبطاله، على عكس المفهوم السائد فى السينما العربية، حيث يكون البطل هو النجم الذى يقف أمام الكاميرا.

وأضاف الشناوى أنه قدم عن وحيد حامد كتاب بعنوان الفلاح الفصيح، لأنه لم يتنكر يوماً من جذوره كواحد من الريف، بل كان يتباهى بأنه يذهب إلى المدرسة فى المرحلة الابتدائية حافى القدمين، فوحيد صنع ذاته، لدرجة أن الناس حفظت بعض الحوارات له وأصبحوا يرددوها.

وأكد أن وحيد حامد كان مؤمن بقوة بفئة الشباب، ولو راجعنا أعماله على مستوى السينمائى والدرامى، كان دائما يشاور على الجيل الجديد، على سبيل المثال، عندما كان يعمل مع المخرج شريف عرفه، كان وقتها يبلغ من العمر 29 عاماً، فى اللعب مع الكبار، فكان دائما رهانه على الجيل الجديد.

 

محمود قاسم: قيمة إنسانية صعب تعويضها

وقال الناقد محمود قاسم، إنّ الكاتب الراحل وحيد حامد قيمة إنسانية فنية مثقفة وطنية صعب أن تعوض مهما ظهر من كتاب، فهو كان فنانا بدرجة إنسان، وكل أعماله الفنية ما زالت تعيش حتى سنوات طويلة بسبب سلاسة أحداثها وطبيعتها البسيطة.

أوضح أنه قدم عدداً كبيراً من الأعمال الفنية المهمة خلال مشواره الفنى، منها فيلم البرىء الذى أحدث وقت عرضه ضجة كبيرة، وشاهده ما يقرب من 4 وزراء حتى تتمكن الرقابة من عرضه، فكان السيناريو لديه بُعد متعدد الزوايا، والذى أصقل قوة الفيلم إجادة المخرج عاطف الطيب تقديمه بصورة متميزة.

وتابع: «كتابات وحيد حامد تميزت بأن كل حرف كتبه كان يخرج من قلبه، لذا أفلامه لديها القدرة على أن تظل صامدة لسنوات طويلة، فكان يتميز بالصدق والرؤية المستقبلية، فكثير من الأحداث عرضها خلال أفلامه قبل حدوثها».