سجلت أسعار الذهب العالمي، ارتفاعاً خلال شهر مايو الماضي، لتحقق بذلك مكاسب للشهر الرابع على التوالي، تعكس تأثير عدد من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية، وتثير عديداً من التساؤلات حول مستقبل المعدن النفيس في ظل التحديات العالمية القائمة.
أحد أبرز العوامل التي أسهمت في هذا الارتفاع هو ما يرتبط بمشتريات البنوك المركزية من الذهب، إذ تلجأ البنوك المركزية إلى تعزيز احتياطاتها من المعدن كوسيلة لتحصين اقتصاداتها ضد التقلبات المالية والجيوسياسية. ففي ظل الأزمات العالمية والاضطرابات السياسية، يعد الذهب ملاذًا آمنًا يسهم في تحقيق الاستقرار النقدي.
العامل الثاني الذي دعم أسعار الذهب هو استمرار المخاطر الجيوسياسية، على اعتبار أن النزاعات والتوترات الدولية تخلق حالة من عدم اليقين في الأسواق المالية، بما يدفع المستثمرين إلى اللجوء إلى الذهب كاستثمار آمن.
كذلك تترقب الأسواق المالية العالمية الاتجاهات المستقبلية للفيدرالي الأميركي بشأن أسعار الفائدة، وباعتبار أن توقعات خفض الفائدة تجعل الاستثمار في الذهب أكثر جاذبية، نظراً لأن انخفاض الفائدة يقلل من العوائد على الأصول الأخرى مثل السندات، مما يدفع المستثمرين نحو الذهب كبديل أكثر ربحية.
ورغم كل هذه العوامل، يلاحظ محللون أن أسعار الذهب بدت وكأنها تتجاهل جميع المؤشرات الاقتصادية التقليدية. ويرجع البعض جزءاً من هذا السلوك إلى تدفقات المضاربة القادمة من الصين، حيث يلعب الصينيون دوراً متزايداً في تحديد أسعار الذهب من خلال شراء كميات كبيرة من المعدن. عوامل تدعم مسار الذهب
رئيس الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق ، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
الذهب يتداول حالياً فوق مستوى 2330 ويستهدف مساراً صاعداً، بعد أن ارتفع بنسبة 2 بالمئة (في تعاملات مايو)، مدعوماً بعدد من العوامل الرئيسية.
من بين تلك العوامل ما يرتبط بالتطورات الجيوسياسية، وبما أسهم في ارتفاع أسعار المعدن النفيس بنسبة 14 بالمئة منذ بداية العام الجاري.
يضاف إلى ذلك (من بين العوامل الرئيسية المؤثرة في سعر الذهب) توجهات بنوك مركزية حول العالم مثل الصين (أكبر مشتري رسمي للذهب في عام 2023) والهند وأوزباكستان وتركيا ومصر إلى شراء كميات كبيرة من الذهب.
ويشير إلى أنه في الوقت نفسه تثار مخاوف لدى عدد من الدول حيال العقوبات الأميركية مثلما حدث مع روسيا، وهو ما تسبب في التخارج من سندات الخزانة الأميركية لصالح شراء الذهب، ما مثل عاملاً إضافياً، لافتاً في الوقت نفسه إلى الصين التي تتبنى توجهات رامية إلى تكوين كميات كبيرة من احتياطات الذهب لتجنب أي تطورات محتملة مع أميركا، فضلًا عن مسار الأفراد الصينيين أنفسهم نحو شراء الذهب بهدف التحوط المالي.
وتخفض بكين حالياً حيازاتها من سندات الخزانة الأميركية. وفي مارس، كانت الصين تمتلك سندات حكومة أميركية بقيمة حوالي 775 مليار دولار، انخفاضاً من حوالي 1.1 تريليون دولار في العام 2021.
وتشتري الدولة الآسيوية الذهب لتنويع صناديق احتياطياتها وتقليل اعتمادها على الدولار الأميركي، والذي يُعتبر منذ فترة طويلة العملة الأهم للاحتفاظ بها كاحتياطي. بحسب البيانات الرسمية، أضاف بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) 60 ألف أونصة من الذهب إلى احتياطياته في أبريل الماضي، مما يمدد فترة الشراء المتتالية إلى 18 شهرا على الرغم من القفزات الكبيرة في أسعار الذهب.
ويوضح أنه في الفترة المقبلة “قد تشهد السوق بعض الحركات التصحيحية على صعيد أسعار الذهب نتيجة خفوت الأوضاع الجيوسياسية نسبياً مقارنة بالفترات الماضية فضلاً عن ضعف شراء البنوك المركزية حالياً”.
مسار صاعد بقوة
من جانبها، توضح خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أنه:
في ظل الأحداث الجيوسياسية غير المواتية، اتجهت عديد من الدول إلى الذهب كملاذ آمن، وعلى رأسها الصين التي اتجهت إلى بيع سندات وأذون الخزانة الأميركية، وتوسعت في مشتريات الذهب.
من ثم بدأت أسعار الذهب في الارتفاع بصورة قوية، قد يعقبها في بعض الفترات هبوط طفيف ثم استعادة الاتجاه الصاعد مرة أخرى.
التوقعات تشير إلى استهداف الأونصة الوصول إلى مستوى 3000 دولار يعقبها استهداف مستوى 4000 دولار بحلول العام المقبل 2025.
اتجاه الفيدرالي الأميركي نحو خفض معدلات الفائدة، يعزز بريق أسعار الذهب، خاصة وأن أداء المعدن النفيس مخالف لأداء الدولار.
والذهب عادة ما يعد استثماراً آمناً في الفترات التي تشهد اضطرابات مختلفة، سواء جيوسياسية واقتصادية وما إلى ذلك، وقد ارتفع سعره استجابةً للحرب في أوكرانيا وفي قطاع غزة بعد ذلك.
وبينما يرتفع الطلب من البنوك المركزية العالمية على الذهب منذ عامين، مما يدعم الأسعار، فقد بلغت حيازة الصين من الذهب 72.80 مليون أونصة (حوالي 2264 طن) في نهاية أبريل، ارتفاعا من 72.74 مليون أونصة في الشهر السابق. وارتفعت قيمة احتياطيات الصين من الذهب إلى 167.96 مليار دولار من 161.07 مليار دولار.
وقال المحلل المستقل روس نورمان: “تجاهل الذهب جميع المؤشرات الاقتصادية العادية، كأنه يرقص على إيقاع خاص به. ويرجع ذلك إلى تدفقات المضاربة من الصين”.