يستعد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لتدشين دورته الـ 45 بدايةً من 13 نوفمبر حتى 22 نوفمبر 2024، وذلك بمشاركة 194 فيلما من 72 دولة.
وتشمل فاعليات المهرجان 16 عرضا للسجادة الحمراء، و37 عرضا عالميا، و8 عروض دولية، و119 عرضا لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وللوقوف على هذه تفاصيل الدورة 45 من مهرجان القاهرة، نقدم هذا الحوار مع عصام زكريا مدير مهرجان.
توليك منصب مدير القاهرة السينمائي الدولي في دورة مؤجلة يفرض تحديات كبيرة، إلى أي مدى أثرت على تنفيذ رؤيتك؟
بحكم خبرتي في المهرجانات المصرية ومن بينها مهرجان القاهرة تعلمت أن هناك أهمية الاعتناء بالتفاصيل الصغيرة بنفس قدر الاهتمام بالأمور الكبيرة. المهرجان السينمائي هو بالأساس أفلام وهو أمر فني، لكن للوصول إلى هذه الافلام عليك أن تفكر بأمور لوجيستية عديدة توافرها ضروري لإقامة المهرجان. تفاصيل مثل الإفتتاح والختام والطيران والإقامة تلتهم الجزء الأكبر من الميزانية، وكذلك شراء حقوق عرض الأفلام يحتاج إلى مبالغ طائلة. الفكرة كانت في كيف يمكن ترشيد النفقات ليس بمعنى تخفيضها وإنما إعادة النظر في كيفية توزيعها بطريقة غير تقليدية تحقق أقصى استفادة من الموارد دون التنازل عن مكانة المهرجان الدولي شكلًا وموضوعًا.
مثلا بالنسبة لتكلفة الطيران الكبيرة ورغبتنا في تواجد الصحفيين والإعلاميين الدوليين والعرب المهم جدًا لتوصيل صورة مناسبة للجهد المبذول في فعاليات المهرجان المختلفة، رأينا خلق التوازن من خلال أن يتحمل الضيوف من الصحفيين والإعلاميين تكلفة الطيران في مقابل تحمل المهرجان تكلفة الإقامة طوال ١٠ أيام مدة المهرجان، بدلًا من النظام الذي كان متبعًا بقضاء نصف مدة المهرجان فقط وهو نظام كان يفقد التواجد الإعلامي الهدف من وجوده وهو الانغماس في تجربة المهرجان بكل معنى الكلمة ومتابعة الفعاليات المتنوعة التي يقدمها من عروض أفلام وفعاليات الصناعة.
هل يسمح هذا الأمر بدعوة عدد أكبر من الإعلاميين الدوليين والعرب للمهرجان؟
هذا الأسلوب سمح لنا بدعوة عدد أكبر من الصحفيين والإعلاميين الدوليين والعرب بل وسمح لنا أيضًا عقد شراكات مهمة مع كبريات الصحف والمواقع والمنصات الدولية والإقليمية المتخصصة مثل فارايتي، وفيلم فيرديكت وسكرين ديلي وفيستفال سكوب وغيرها، وهو تواجد مهم جدًا بالنسبة لمهرجان دولي بحجم مهرجان القاهرة.
من الأمور الأخرى التي شعرت فيها أيضًا بضرورة توجيه الإنفاق في مسارات أكثر جدوى تتناسب مع طموحات المهرجان وفي نفس الوقت مع الإمكانيات المتاحة هو الاستعانة بخبرات أجنبية مكلفة جدًا مع وجود خبرات مصرية يمكنها أن تنفذ نفس الأعمال بنفس الجودة. نحن مؤمنون بأن وجود خبرات أجنبية يثري المهرجان ويضيف لتنوعه لكن قررنا أن تكون الاستعانة بالخبرات الأجنبية في حدود أن تمثل إضافة حقيقية وضرورية لفريق العمل وللمهرجان.
كيف تعاملتم مع شراء حقوق عرض الأفلام؟
على نفس المنوال فيما يتعلق بشراء حقوق عرض الأفلام قررنا اتباع سياسة مدروسة جدًا في هذا الأمر تعتمد على تقليل النفقات في هذا الجانب دون التنازل عن جودة الأفلام المختارة بعناية فائقة. هذه الاستراتيجية اعتمدت على أمرين أساسيين. الأول هو تعضيد فريق البرمجة من خلال الجمع بين نظام المبرمجين المتخصصين جغرافيا وبين نظام لجان المشاهدة قمنا بالاستعانة بفريق كبير يساند المبرمجين في مشاهدة الأفلام وتكثيف المناقشات حولها بحيث لا ينحصر اختيار الأفلام على المبرمج وحده.
ومن خلال التصويت الجماعي و المناقشات المكثفة نضمن اختيارات مدروسة لافضل الافلام المتوافق عليها. زيادة عدد أعضاء الفريق أتاح ايضًا وجود عدد أكبر من الأفلام التي تتم مشاهدتها والاختيار منها بحيث لا تكون قاصرة فقط على الأفلام الأشهر التي تتنافس عليها المهرجانات ويعرضها الموزعون بأسعار مبالغ فيها. صارت لدينا فرص أكبر لاكتشاف افلام عالية الجودة فنيًا وتحمل قصصها مضامين انسانية رائعة. برأيي أن العالم مليء بالأفلام الجيدة التي لا تحصل على فرص لأن الجميع يتسابقون للحصول على عدد محدود من الأفلام فقط والتي لبعضها مكان ايضًا في برنامجنا.
أزعم أن برنامج أفلام مهرجان القاهرة هذا العام قوي جدا يجمع بين الجودة الفنية والقصص الإنسانية المؤثرة والمشوقة وهو مفتوح على ثقافات مختلفة وقصص قريبة من واقعنا وجذاب لشرائح متنوعة من الجمهور الذي بالتأكيد يرجع له الحكم النهائي، ومن الأمور المهمة التي حرصت على وجودها أيضًا خلق التناغم بين فريق العمل بحيث لا نعمل في جزر منعزلة سواء داخل فريق البرمجة أو بين أقسام المهرجان المختلفة حاولت أن يكون التعاون والمناقشات المستمرة واتاحة ومشاركة المعلومات هو السمة التي نسعى إليها للاستفادة من الخبرات الجماعية للفريق وضمان المرونة في العمل وهو ما يعتبر ايضًا استثمار في الوقت والجهد يقلل من الاهدار.
ذكرت أن برنامج الأفلام جذاب لجمهور متنوع، فما هي رؤيتك لتواصل المهرجان مع الجمهور؟
هذا العام توسع المهرجان خارج أسوار دار الأوبرا التي حوصر فيها لسنوات، وكذلك خارج النطاق الجغرافي التقليدي لمنطقة وسط القاهرة. القاهرة كبيرة جدًا ومترامية الأطراف وليس فقط وسط القاهرة. بالإضافة إلى قاعة سينما الزمالك وقاعة إيوارت بالجامعة الأمريكية لدينا الآن قاعات عرض في التجمع الخامس والشيخ زايد بالتعاون مع سينما فوكس. وراعينا في اختيار برنامج عروض الأفلام في هذه القاعات أن تناسب الجمهور العام وأن تكون جذابة جماهيريًا. هناك حرص بشكل عام في برمجة عروض الأفلام على أن تكون مناسبة لقاعات وتوقيتات العرض والجمهور. أفلام السينمات العامة خارج الأوبرا بالتأكيد تراعي انها موجهة للجمهور العام، أما أفلام المسرح الكبير في دار الأوبرا تكون أقرب للحالة الاحتفائية والسجادة الحمراء، في حين أفلام المسرح الصغير وسينما الهناجر فهي أفلام تميل إلى الفنية. لدينا خطط للتوسع في القاهرة ومدن أخرى ندرسها حسب مسار الدورة الحالية ومدى إقبال الجمهور.
ذكرت أن المهرجان يساند المقاطعة تضامنًا مع القضية الفلسطينية، فكيف تعبر برامج المهرجان المختلفة أيضًا عن هذا التضامن؟
بالتأكيد هناك اهتمام خاص بالسينما الفلسطينية وبالقضية الفلسطينية بداية من اختيار فيلم افتتاح للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي “أحلام عابرة”، هذا بالإضافة إلى وجود جوائز خاصة بالسينما الفلسطينية وبرامج عروض وفعاليات متنوعة تبرز الصوت الفلسطيني. نحن حريصين على أن تكون القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في المهرجان.
برنامج السينما العربية هذا العام متخم بالأفلام هل كان من الصعب الحصول على أفلام جيدة في ظل المنافسة بين مهرجانات مهمة في المنطقة؟
أزعم أن مهرجان القاهرة هذا العام لديه عدد غير مسبوق من الافلام العربية الجيدة جدا فنيًا، ولا اعتقد ان المنافسة أثرت بالسلب على اختياراتنا، بل بالعكس لأن الأفلام العربية الجيدة كثيرة جداً، أحدثنا هذا العام ايضًا تغييرات مهمة فيما يتعلق بالجوائز المقدمة للسينما العربية اظن انها حققت توازنًا، مستحق ففي الدورات السابقة كان هناك جائزة أفضل فيلم عربي وتتنافس عليها كل الافلام العربية المشاركة في المهرجان، بالإضافة إلى مسابقة آفاق السينما العربية وهو أمر مربك وغير مفهوم ولا مطلوب. هذا العام قررنا استحداث جوائز السينما العربية وهي جوائز مالية لأول مرة وتتنافس عليها كل الأفلام العربية الطويلة المشاركة في المهرجان سواء في المسابقة الدولية أو في آفاق السينما العربية الذي تحول الى برنامج وليس مسابقة، وكانت لدينا مخاوف من تردد صناع الأفلام العرب في المشاركة في البرنامج لكننا اكتشفنا العكس تمامًا وأن عدد الافلام العربية هذا العام قد يكون أكبر من أي دورة سابقة.
هناك فيلم مصري طويل واحد أعلن عنه حتى الآن في المسابقة الدولية، هل واجهتم تحديات في اختيار أفلام مصرية للمشاركة في المهرجان؟
لا أرى أن كون المهرجان يحدث في مصر فإن عليه أن يولي عناية خاصة بعرض الفيلم المصري. مهرجان القاهرة السينمائي هو مهرجان دولي بالأساس، ويهمنا دعم الفيلم المصري لكن من خلال عرضه في مهرجانات أخرى خارج مصر سواء في فينيسيا أو في البحر الأحمر أو غيره من المهرجانات.
هناك ايضًا هذا العام برنامج جديد هو بانوراما الفيلم القصير يضم عدد كبير من الأفلام القصيرة لصناع افلام مصريين لكن خارج المسابقة. فالمسابقة الدولية للأفلام القصيرة تقبل بطبيعة الحال عدد محدود من الأفلام القصيرة المصرية بالمقارنة بالعدد الكبير من الأفلام المصرية القصيرة التي يتلقاها المهرجان وبعضها افلام ممتازة لكنها أكبر من قدرة المسابقة على الاستيعاب.
منافذ عرض الأفلام القصيرة محدودة لذلك فإن المهرجانات هي المنفذ الوحيد لعرضها وهذه هي الطريقة التي وجدنا بها أنه يمكننا دعم صناع الأفلام المصريين ودعم صناعة الأفلام في مصر.
برنامج الأفلام الكلاسيكية أيضًا مكتظ هذا العام بالأفلام وعدد كبير منها أفلام مصرية مرممة حديثًا ما الرؤية خلف هذا العدد الكبير من الأفلام الكلاسيكية؟
الإنتاج المشترك صار هو سمة العصر الحالي في إنتاج الأفلام في العالم للدرجة التي غيرت قواعد اختيار الأفلام في مسابقة الأوسكار.
لدينا اهتمام كبير بمسألة الإنتاج والتوزيع المشترك وهناك فعاليات كثيرة في هذا المجال في برنامج الصناعة. هناك تركيز كبير أيضًا على تصوير الأفلام الأجنبية في مصر من خلال التعاون مع لجنة الأفلام التي صارت تساهم في إتاحة وتسهيل تصوير الأفلام الأجنبية في مصر وسيتم عرض مجموعة من الافلام الاجنبية التي تم تصويرها هنا.
هذا بالإضافة إلى ندوة كبيرة ايضًا في نفس الموضوع بحضور أطراف وجهات فاعلة من العالم والمنطقة العربية مصر.
في هذا الإطار خصصنا أيضًا مساحة لالتقاء المنتجين والموزعين والشركات وصناع الأفلام تحت مسمى سوق مهرجان القاهرة، والذي قد لا يكون سوقًا سينمائيًا بالمعنى المتعارف عليه في المهرجانات العالمية لكنه يوفر فرصة جيدة جدًا للالتقاء والتفاعل والنقاش والاتفاق والبحث في مشروعات مشتركة مستقبلية.
لدينا رغبة كبيرة أيضًا هذا العام في أن يعود مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بعد عام من التوقف إلى أن يكون ساحة للالتقاء والتواصل بين الناس من صناع الأفلام والجمهور من كل الشرائح ومحبي السينما والطلاب، من أجل ذلك قمنا بتسهيلات كبيرة في الحصول على بطاقات الاعتماد لكل الفئات.
وجود الجمهور والإعلام والصحافة العربية والدولية والمصرية حول فعاليات المهرجان المختلفة هو ما يصنع حيوية المهرجان ويحقق هدفه الأساسي في أن يكون مساحة للتواصل بمختلف أشكاله.