إبراهيم نصر
إبراهيم نصر
فى ختام المقال السابق أوضحت أن التلاعب بالأنصبة الشرعية فى المواريث يعتبر تعديا على حدود الله، وقد يكون له عواقب دينية وأخروية، حيث وردت نصوص فى القرآن والسنة تحذر من مخالفة أحكام الله في المواريث، ودعوى التراضى بين الذكر والأنثى على المساواة دعوى باطلة، وهذا ما نوضحه فى هذا المقال.
بداية أود التأكيد على أن التعديل في أنصبة المواريث الإسلامية ليس مجرد مسألة قانونية أو اجتماعية، بل هو مسألة دينية أساسية يجب التعامل معها بحذر واحترام شديدين لتعاليم الإسلام.
ومن أهم نصوص القرآن الكريم التي تتحدث عن المواريث، وتوضح الأنصبة بشكل مفصل، فى سورة النساء قول الله تعالى: “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا” (النساء: 11).
وفي السورة نفسها، يأتي التحذير الشديد لمن يخالف هذا التشريع: “تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ” (النساء: 13-14).
وبذلك يتضح بجلاء أن تقسيم المواريث من “حدود الله”، وأن من يلتزم بها ينال ثوابا عظيما، بينما الاعتداء عليها يستوجب العذاب الأليم.
وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة حذرت بوضوح من مخالفة أحكام الله في المواريث، وأكدت أهمية الالتزام بالتشريع الإلهي الخاص بالمواريث، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: “مَرَضْتُ بِمَكَّةَ مَرَضًا شَدِيدًا، فَجَاءَ النَّبِيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يَعُودُنِي، فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، إنِّي أُتْرَكُ مَالًا وَلا يَرِثُنِي إلَّا ابْنَةٌ، أَفَأُوصِي بثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لا، قُلتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لا، قُلتُ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّكَ إنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِن أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ” (رواه البخاري ومسلم). هذا الحديث يظهر أهمية توزيع الميراث كما جاء في الشريعة الإسلامية، وعدم التعدي على حقوق الورثة عبر الوصية بما يتجاوز الثلث، وذلك لضمان أن ينال كل وارث نصيبه الشرعي.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: “دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وَأَنَا مَرِيضٌ، فَتَوَضَّأَ وَنَفَضَ عَلَيَّ مِن وُضُوئِهِ، فَأَفَقْتُ فَقُلتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَقْضِي في مَالِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (رواه البخاري ومسلم). هذا الحديث يبين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يجب مباشرة، بل انتظر حتى نزلت الآية التي تحدد الأنصبة، مما يوضح أن المواريث ليست مسألة اجتهادية بل هي وحي من الله لا يجوز التغيير فيه.
ثم نأتى إلى قضية التراضى التى تحدث عنها الدكتور سعد الهلالى، وبعد إيضاح حرمة مخالفة حدود الله فى المواريث، فهل التراضى بين شخصين على فعل محرم يعفى من العقوبة، والإجابة القاطعة التى لا يختلف عليها اثنان أن التراضي بين شخصين على فعل محرم لا يعفي من العقوبة، وكان الأجدر بالدكتور سعد أن يوضح عدم جواز مخالفة الله ورسوله فى توزيع الميراث، وبعد التقسيم الشرعى لا مانع أن يتصرف الوارث فى نصيبه كيف يشاء، وبذلك يخرج من شبهة الافتئات على الله ورسوله.
[email protected]