اشتعلت التوترات العسكرية في شمال سوريا، حيث اندلعت مواجهات وُصفت بأنها الأعنف منذ عام 2020، وأسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص، وقطع الطريق الدولي M5 الذي يربط دمشق بحلب.
إطلاق عملية عسكرية مفاجئة
أطلقت هيئة تحرير الشام، بالتعاون مع فصائل مسلحة أخرى، عملية عسكرية مفاجئة تحمل اسم “ردع العدوان”، مستهدفة مواقع الجيش السوري وحلفائه في الشمال السوري. وأعلنت الهيئة سيطرتها على نقاط استراتيجية، بما فيها عقدتا الطرق الدولية M4 وM5، مما أدى إلى قطع الطريق الحيوي الذي يربط جنوب البلاد بشمالها.
حصيلة القتلى والخسائر
أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن المعارك، التي بدأت منذ فجر الأربعاء، أسفرت عن مقتل 182 مقاتلًا من الفصائل المسلحة، بينهم 102 من هيئة تحرير الشام و19 من فصائل موالية لتركيا. كما قُتل 61 عنصرًا من الجيش السوري وحلفائه.
في المقابل، شنت القوات السورية والروسية غارات جوية مكثفة على مواقع المسلحين في إدلب وريف حلب، مما أسفر عن مقتل 19 مدنيًا، بينهم أطفال ونساء، وفق تقارير حقوقية.
توسع العمليات وتصعيد الاشتباكات
واصلت الفصائل المسلحة تقدمها لليوم الثالث على التوالي، متوغلة في مناطق استراتيجية قريبة من مدينة حلب. كما سيطر المسلحون على شريط بطول 110 كيلومترات، امتد من 40 قرية وبلدة، ما أدى إلى نزوح آلاف المدنيين باتجاه مناطق “درع الفرات” قرب الحدود التركية.
كما هاجمت الفصائل مطار النيرب العسكري، شرق حلب، ومناطق قريبة من بلدتي نبل والزهراء ذات الأغلبية الشيعية، حيث يتمركز مقاتلو “حزب الله” اللبناني.
رد النظام السوري
أعلنت وزارة الدفاع السورية أن قواتها “تصدت لهجوم كبير شنته التنظيمات الإرهابية”، مشيرة إلى تكبيد المهاجمين خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. وأضافت الوزارة أن الجيش السوري، بالتعاون مع القوات الروسية، يعمل على استعادة النقاط الاستراتيجية التي خسرها خلال اليومين الماضيين.
ونشرت صفحات موالية للنظام السوري صورًا وفيديوهات تُظهر تعزيزات عسكرية كبيرة في طريقها إلى الشمال، بينما تُظهر صور أخرى أسرى من جنود الجيش السوري لدى هيئة تحرير الشام.
الطرق الدولية: محور الصراع
شكّلت الطرق الدولية M4 وM5 محورًا رئيسيًا للصراع في شمال سوريا. ورغم الاتفاقيات الروسية-التركية السابقة لتأمينها، بقي تنفيذها معلقًا. ومع فقدان النظام السيطرة على الطريقين، يضطر لاستخدام طرق بديلة غير آمنة تمر عبر مناطق تنشط فيها خلايا تنظيم “داعش”.
التوقيت وأبعاده الإقليمية
تزامن التصعيد شمال سوريا مع وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، مما يطرح تساؤلات حول توقيت المعركة. ويرى مراقبون أن التصعيد قد يكون رسالة للنظام السوري في ظل القصف الإسرائيلي المتكرر لمعابر تهريب السلاح بين سوريا ولبنان، مع تحذيرات إسرائيلية لدمشق بعدم دعم “حزب الله”.
من جانبها، أكدت تركيا أنها “تراقب الوضع عن كثب”، وسط تساؤلات حول دعمها الضمني للعملية، خاصة أن الفصائل المسلحة المدعومة منها شاركت في الهجوم، مما قد يشير إلى ضغط تركي على النظام السوري لإجباره على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
المشهد الإنساني
في ظل المعارك العنيفة، تشهد المنطقة موجة نزوح واسعة، مع تقارير عن تدهور الوضع الإنساني. وحذرت منظمات حقوقية من أن استمرار التصعيد سيزيد من معاناة المدنيين، ويهدد استقرار المنطقة التي كانت تحت اتفاقيات خفض التصعيد منذ عام 2020.