ألقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بيان الحكومة، أمام مجلس النواب، بمقر البرلمان بالعاصمة الإدارية الجديدة، بحضور كامل تشكيل الحكومة التي أدت اليمين الدستورية مُؤخرًا، ويشمل برنامج عملها للسنوات الثلاث المقبلة، الذي يأتي تحت عنوان “معًا نبني مستقبلًا مستدامًا”.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي، أن برنامج الحكومة المصرية للفترة (2024/2025 – 2026/2027)، الذي وضعت له عنوانًا (معًا نبني مستقبلًا مستدامًا)، يقوم على استكمال البناء والتطوير؛ ليضمن حاضرًا أفضل ومستقبلًا مستدامًا للأجيال القادمة.
وتسعى الحكومة إلى العمل على 4 محاور رئيسية، وهي: حماية الأمن القومي وسياسة مصر الخارجية، وكذلك بناء الإنسان المصري وتعزيز رفاهيته، بالإضافة إلى بناء اقتصاد تنافسي جاذب للاستثمارات، وأخيرا تحقيق الاستقرار السياسي والتماسُك الوطني.
خطة عمل الحكومة خلال الفترة القادمة
استعرض رئيس الوزراء مُحددات العمل في كل محور من المحاور الأربعة الرئيسية، على النحو التالي:
المحور الأول “حماية الأمن القومي وسياسة مصر الخارجية”
يتضمن العمل على تحقيق الأمن القومي بمفهومه الشامل، بما يضمن حماية أمن واستقرار الحدود، ودعم القدرات العسكرية لجيشنا في مواجهة التهديدات، وتعزيز أمن البحر الأحمر وقناة السويس، وتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والجرائم العابرة للحدود والاتجار بالبشر، فضلًا عن تطوير السياسة الخارجية لمصر، وتعزيز دورها في محيطها العربي والإفريقي والدولي، بالإضافة إلى تعزيز مشاركتها في المنظمات الدولية.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي على مواصلة الدبلوماسية المصرية جهودها في مُختلف المحافل الدولية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، لا سيما في إطار الأمم المتحدة، وتطبيق مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب تشمل كذلك كافة المحاور الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والفكرية والثقافية والتعليمية، والتنسيق مع مختلف الأطراف الدولية لمكافحة الإرهاب والوقاية منه، وبناء قدرات الدول في هذا المجال.
كما أكد الحرص على الاستمرار في تعزيز العلاقات المصرية العربية سواء مع دول الخليج أو مع دول المشرق والمغرب العربي، وكذلك دول الجوار الجغرافي، على المستوى الثنائي وعبر جامعة الدول العربية، اتصالًا بالأهمية الاستراتيجية لتلك العلاقات وباعتبارها صمام أمن للمنطقة وشعوبها ككل وبهدف صيانة والحفاظ على الأمن القومي العربي، مع المبادرة نحو التفاعل والإسهام، قدر المستطاع، في تشكيل توازنات إقليمية والاضطلاع بأدوار وساطة بما يسهم في ترسيخ موقع مصر كفاعل رئيسي في المشهد الإقليمي.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة ستسعى بجدية خلال فترة البرنامج، لتعظيم الشراكات الاستراتيجية الدولية والتجمعات الدولية التي انضمت لها مصر حديثًا، حيث يُعزز الانضمام إلى هذه التجمعات والتحالفات الدولية من موقف مصر على الساحة العالمية ويتيح فرصًا جديدة للتعاون في مختلف المجالات الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية، كما تدعم التنمية المستدامة، وتحسين الاقتصاد الوطني، وتوفير فرص عمل جديدة وتساهم في تبادل الخبرات والتكنولوجيا وتعزز القدرات الوطنية لمواجهة التحديات العالمية المتزايدة، هذا إلى جانب، الاستمرار في سياسات التوازن الاستراتيجي التي تنتهجها الدولة المصرية في ظل حالة الاستقطاب الدولي، ومواصلة الدور المصري الرائد في إطار النظام متعدد الأطراف، والعمل من خلال المجموعات السياسية والإقليمية للدفاع عن المصالح المصرية في المحافل الدولية.
وشدد رئيس الوزراء على أنه باعتبار أمن مصر المائي، والأمن الغذائي، وأمن الطاقة، والأمن السيبراني، جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي؛ فإن المحور الرئيسي الأول من برنامج الحكومة يشمل العمل على تحقيق حماية أمن مصر المائي من خلال تعزيز التعاون الثنائي مع دول حوض النيل والقرن الإفريقي، وعدم التفريط في حصة مصر من مياه النيل والتي تمثل الحياة لكل المصريين، وتقليل الفاقد من المياه وترشيد استخدام مياه الري، وحماية الموارد المائية من التلوث، هذا فضلًا عن الأمن الغذائي وزيادة المخزون من المحاصيل الاستراتيجية، ورفع جودة المنتجات الزراعية، وتنمية الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية.
كما يَتضمَّن هذا المحور أيضًا أمن الطاقة من حيث: تأمين وتنويع موارد الطاقة التقليدية والمتجددة، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة والبنية التحتية، وتطوير شبكات نقل وتوزيع الطاقة بما فيها الشبكات الاقليمية مع دول جوار، مع تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، وتطوير الثروة المعدنية والبترولية وصناعة البتروكيماويات، ويهدف المحور الأول أيضًا إلى تعزيز الأمن السيبراني، والأطر التنظيمية والتشريعية، والتعاون الدولي في مجال الأمن السيبراني، هذا فضلًا عن تعزيز القوة الناعمة لمصر، وصورة مصر الدولية والأداء المصري في المجالات الثقافية والإعلام والاتصال، مؤكدًا حرص الحكومة على ترسيخ الثقافة والهُوية الوطنية، وتجديد الخطاب الديني، وتعميق الوعي الثقافي والإبداعي.
المحور الثاني “بناء الإنسان المصري وتعزيز رفاهيته”
يَتضمَّن عدة محاور فرعية، وهي: الحماية الاجتماعية، والصحة، والتعليم، وتمكين الشباب والمرأة، والتشغيل والقوى العاملة، والإسكان والمرافق.
وأكد رئيس الوزراء في هذا الصدد، أن الحكومة وضعت رؤية استراتيجية متكاملة لبناء الإنسان المصري، إيمانًا بدوره الرئيسي في عملية التنمية الشاملة، حيث يأتي هدف توفير مظلة الحماية الاجتماعية على رأس أولويات برنامج العمل، وذلك من خلال: تحسين مستوى معيشة الأسر، والعمل على التمكين الاقتصادي لها، والتوسع في تمويل المشروعات المُنتِجَة لتلك الأسر والمُولِّدة لفرص العمل، مشيرًا إلى الاستمرار في تقديم برامج الحماية الاجتماعية، وتوسيع نطاق تغطيتها، وتوجيهها للأسر المستحقة، هذا بالإضافة إلى حماية وتمكين العمالة غير المنتظمة، مع التأكيد على مدِّ مِظَلَّة الحماية لتشمل كبار السن وذوي الهمم الذين تسعى الحكومة إلى تمكينهم اقتصاديًّا وإدماجهم اجتماعيًّا.
وأضاف الدكتور مصطفى مدبولي أن الحكومة ستستكمل تنفيذ الأهداف الاستراتيجية لقطاع الصحة؛ للنهوض به خلال المرحلة المقبلة، والتوسُّع في مِظَلَّة التأمين الصحي الشامل على مستوى المحافظات، وإتاحة خدمة صحية متميزة وعالية الجودة، ورفع كفاءة العاملين فيه، كما تحرص الحكومة على الارتقاء بجودة المنظومة التعليمية، ورفع كفاءة المؤسسات التعليمية، والعمل على رفع كفاءة وأداء المعلمين وتدريبهم على أحدث الأساليب التعليمية، مع التأكيد على إتاحة التعليم للجميع، وتعزيز دور البحث العلمي في الجامعات والمراكز البحثية، وتنويع مصادر التمويل له.
وفي هذا السياق، أشار رئيس الوزراء إلى إعطاء الأولوية لإنشاء المدارس الجديدة بالمناطق الأعلى كثافة من حيث الطلاب والمناطق النائية، مع إيلاء اهتمام بالتعليم الفني لتخريج طلاب مزودين بأحدث المهارات والتقنيات، واستهداف إنشاء أكثر من 60 مدرسة فنية وتكنولوجية حتى عام 2026 في إطار من الشراكة مع القطاع الخاص في إدارة وتشغيل تلك المدارس، كما تستهدف الحكومة التوسع في مدارس النيل والمتفوقين، وإضافة 100 مدرسة جديدة من المدارس اليابانية حتى عام 2026، لتقدم مناهج تعليمية متطورة، مع إتاحة فرص الالتحاق بها لأبنائنا الطلاب من الأسر المتوسطة.
وأضاف رئيس الوزراء أن الحكومة تحرص على التوسُّع في مؤسسات التعليم العالي، وخاصة التي تقدم برامج تعليمية حديثة، ويحظى التعليم التكنولوجي باهتمام كبير، حيث تسعى إلى التوسع في إنشاء جامعات تكنولوجية مُجهزة بأحدث الأجهزة والوسائط التكنولوجية بما يتوافق مع المعايير العالمية، لتأهيل خريجين قادرين على تلبية متطلبات سوق العمل، كما تُؤمِنُ الحكومةُ بأهمية دور الشباب والمرأة؛ حيث يستهدف البرنامجُ تعزيز دور الشباب من خلال تمكينهم اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، إلى جانب الارتقاء برأس المال البشري، كما تستهدف التمكين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمرأة من خلال توفير فرص الترقي العملي والعلمي لها، وتشجيعها على ريادة الأعمال، هذا إلى جانب الاهتمام بصحة المرأة من خلال التوسُّع في تقديم برامج الرعاية الصحية لها بمختلف مراحلها العمرية، مع التوسُّع في توفير خدمات الصحة الإنجابية ووسائل تنظيم الأسرة في كل أنحاء الجمهورية، خاصة في المناطق الفقيرة.
كما أكد الدكتور مصطفى مدبولي حرص الحكومة على زيادة فرص العمل، وخفض معدل البطالة، الذي تراجع إلى 6.7% خلال الربع الأول من عام 2024؛ وهو أقل معدل بطالة خلال العشرين عامًا الماضية، لافتًا إلى سعي البرنامج لرفع كفاءة المشتغلين في سوق العمل من خلال مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، بالإضافة إلى تسهيل التوظيف وخلق فرص عمل من خلال تحسين بيئة الأعمال وتحفيز الإنتاجية وتنمية القطاعات الرائدة كثيفة العمالة، مع تحسين أوضاع العمالة المصرية بالخارج.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة أولَت اهتمامًا خاصًّا بسياسات الإسكان والمرافق والتخطيط العمراني، وتستهدف في هذا الإطار، التوسُّع في المدن المستدامة ومدن الجيل الرابع، والارتقاء بمستويات التحضُّر والتطور العمراني مع ضمان الاستدامة البيئية، لافتًا إلى أن الحكومة وقد انتهت بالفعل من تطوير المناطق غير الآمنة فسيكون التركيز على تطوير المناطق غير المخططة، مع توفير المسكن الملائم لمختلف شرائح الدخل، هذا فضلًا عن العمل على سرعة توفير خدمات صرف صحي لجميع المواطنين، وتنمية وتطوير القرى المصرية.
المحور الثالث “بناء اقتصاد تنافسي جاذب للاستثمارات”
يَتضمَّن ثلاثة محاور فرعية، هي: ترسيخ دعائم النهوض الاقتصادي، وتمكين القطاع الخاص، وضبط الأسعار والحدُّ من التضخم.
وأكد رئيس الوزراء أن بناء اقتصاد مرن قادر على مواجهة التقلبات والتغيرات العالمية المتسارعة، ولديه مقومات الانطلاق والنمو المستدام، وجاذب للاستثمار المحلي والأجنبي، يُعَدُّ من أهم المحاور التي يعمل البرنامج الحكومي على تحقيقها، مشيرًا إلى أن الفترة الماضية شهدت صمود الاقتصاد المصري في مواجهة العديد من الأزمات الخارجية والداخلية، واستطاعت الدولة تجاوزها بفضل برامج الإصلاح الهيكلي التي تبنتها الحكومة والسياسات والإجراءات الداعمة لمناخ الاستثمار.
وفي هذا الإطار، أوضح رئيس الوزراء أن الحكومة تستهدف في العام الأول من برنامج عملها، تحقيق معدل نمو يبلغ 4.2%، على أن تحقق معدلات نمو تتجاوز 5% كمتوسط خلال فترة البرنامج، مع التحول نحو دور أكبر للقطاع الخاص في توليد الناتج وفرص العمل، وتحقيق نمو احتوائي قادر على خلق المزيد من فرص العمل اللائقة، ومواصلة دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي، فضلًا عن خلق اقتصاد تنافسي قائم على المعرفة، ومنع الممارسات الاحتكارية.
ولفت إلى أن الحكومةُ تُواصِل مسيرة الإصلاح الاقتصادي عبر تبنِّي إصلاحات اقتصادية كُليَّة، وذلك من خلال الانضباط المالي وتعزيز الاستدامة المالية، وزيادة الإيرادات العامة بنحو 16% في المتوسط سنويًّا حتى عام 2026/2027، وترشيد ورفع كفاءة الإنفاق العام، وخفض إجمالي الدين العام، وتعزيز الشفافية المالية، كما سيعمل البرنامج على ضمان التمكين الاقتصادي والتنمية المكانية المتوازنة؛ فمن المستهدف خفض فجوة النوع في سوق العمل ورفع نسبة مشاركة الإناث في القوى العاملة إلى 19% بحلول عام 2026/2027، وزيادة معدلات التشغيل إلى ما لا يقل عن 37% في محافظات الوجه القبلي، و45% في المحافظات الحدودية.
هذا، وتستهدف الحكومة زيادة مساهمة الاقتصاد الأخضر في الناتج المحلي الإجمالي، من خلال مضاعفة نسبة الاستثمارات العامة الخضراء إلى إجمالي الاستثمارات العامة إلى نحو 55% عام 2026، وأن تصبح مصر مركزًا عالميًّا لإنتاج الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، كما ستعمل الحكومة على حفز الاستثمارات المحلية والأجنبية، وفي هذا الإطار تتبنى استراتيجية قومية للاستثمار (2024 – 2030) تهدف إلى تشجيع الاستثمار في عدد من القطاعات ذات الأولوية الداعمة للمستهدفات القومية للنمو الاقتصادي، مع زيادة الاستثمارات الخاصة إلى مستويات تتراوح ما بين 60% و65% من إجمالي الاستثمارات، ورفع معدل النمو السنوي للاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى نحو 14%، هذا فضلًا عن ربط الحوافز والإعفاءات الضريبية للاستثمار المحلى والأجنبي المباشر بالأنشطة والصناعات المستهدفة وكذلك بنسبة صادراته للخارج. بالإضافة إلى استكمال العمل على تطوير المنظومة الجمركية بعناصرها كافة، وزيادة فعالية جميع الأجهزة الرقابية؛ لتخفيض زمن الإفراج الجمركي.
وأكد رئيس الوزراء أن الحكومة ستواصل مسيرة الإصلاح الهيكلي والمؤسسي، حيث تعمل على تطوير هيكل النشاط الاقتصادي، لنتحول إلى اقتصاد تنافسي من خلال تعميق الصناعات المحلية، وتوطين الصناعات المتقدمة، والاستفادة من المزايا التي تتمتع بها مصر في عددٍ من القطاعات التي يأتي على رأسها قطاعات الزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وفى سبيل تحقيق ذلك تتبنّى الحكومة سياسات تستهدف زيادة نصيب قطاعات الصناعة والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 38% في عام 2026/2027.
كما أكد أن الحكومة تولي اهتمامًا كبيرًا لتطوير الصناعة الوطنية كأحد الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، مشيرًا إلى أن الجهود المبذولة تضمنت تحسين بيئة الأعمال وتسهيل الإجراءات البيروقراطية لدعم المستثمرين المحليين والأجانب، وتشجيع الابتكار والتكنولوجيا في قطاع الصناعة، كما تم إطلاق مبادرات لتعزيز قدرات الصناعات الصغيرة والمتوسطة وزيادة تنافسيتها في الأسواق المحلية والدولية.
وأضاف رئيس الوزراء أن الحكومة ركزت على تحديث البنية التحتية الصناعية وتوفير التدريب المهني المتقدم للعمال، بهدف خلق فرص عمل جديدة وتعزيز الإنتاجية، وتهدف من هذه الجهود إلى تحقيق نمو اقتصادي متوازن وزيادة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي، حيث وضعت برنامجًا لتحفيز وزيادة الإنتاجية وتنمية القطاعات الرائدة كثيفة العمالة، تعمل من خلاله على تعميق التصنيع المحلي في الصناعات كثيفة العمالة، وتتبنى تنفيذ برنامج قومي بقيادة أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا بالتنسيق مع الجهات المعنية؛ لزيادة مستويات الإنتاجية وفق مستهدفات واضحة بالتركيز على القطاعات الاقتصادية الرائدة.
ولفت إلى أن الحكومة اتخذت خطواتٍ جادة لتنفيذ خطة استثمارية لتوطين وتعميق الصناعة المحلية لنحو 152 فرصة استثمارية محددة على المستوى القومي بهدف توطين وتعميق التصنيع المحلي، بالإضافة إلى إطلاق خريطة استثمارية شاملة وديناميكية، تعرض جميع الفرص الاستثمارية في صورة مشروعات قابلة للتمويل موزعة على مستوى المحافظات.
واتصالًا بالمحور الرئيسي الثالث لبرنامج عمل الحكومة، والمَعنِي ببناء اقتصاد تنافسي جاذب للاستثمارات، أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أمام مجلس النواب، سعي الحكومة المستمر لزيادة القدرة التنافسية للصادرات المصرية، وتستهدف في هذا الإطار زيادة معدل نمو الصادرات بما يتجاوز 15% سنويًّا، من خلال تحفيز الصادرات السلعية والبترولية وتعزيز الصادرات الخدمية.
كما أكد أن الحكومة تولي اهتمامًا كبيرًا لقطاع الزراعة والذي كان أحد القطاعات الرئيسية في برنامج الإصلاحات الهيكلية، وقد شهد تطورُا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، وتستهدف في برنامجها تنمية القطاع الزراعي والصناعات الزراعية من خلال التوسع الأفقي وتوسيع مساحة الأراضي الجديدة المستصلحة في المناطق الصحراوية باستخدام الموارد المائية الجوفية وإعادة تدوير مياه الصرف الزراعي، كما تتبنى تفعيل منظومة الزراعة التعاقدية للمحاصيل الزراعية، وتعمل على تحسين إنتاجية المحاصيل الاستراتيجية من خلال استنباط أصناف جديدة ذات إنتاجية عالية وقليلة الاحتياج المائي ومتحملة للتغيرات المناخية.
ولفت رئيس الوزراء إلى أن الحكومة تضع نُصب أعينها ما تتمتع به مصر من مزايا وفرص في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتعمل على تأهيل الموارد البشرية للعمل في ذلك القطاع الواعد من خلال مضاعفة أعداد المتدربين في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتصل إلى مليون متدرب بحلول عام 2030، وزيادة أعداد المتدربين في نوادي تكنولوجيا المعلومات، وتسعى إلى التوسع في إقامة مراكز إبداع مصر الرقمية بهدف الوصول إلى مركز في كل محافظة، كما تعمل على تعميق الصناعات التكنولوجية المُتخصصة من خلال توفير التسهيلات والحوافز للشركات الأجنبية لتصنيع هواتف المحمول الذكية وأجهزة الحاسب اللوحي، وصناعة السيارات الكهربائية، وإنشاء مراكز تميز لشركات عالمية متخصصة، واحتضان العديد من الشركات الناشئة.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي أن الحكومة ستستمر في بذل جهودها الدؤوبة لتحقيق هدف جذب 30 مليون سائح بحلول عام 2028، وذلك من خلال تنفيذ استراتيجيات متعددة تهدف إلى تعزيز القطاع السياحي وجعله أكثر تنافسية واستدامة، وتشمل هذه الجهود تطوير البنية التحتية السياحية، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للسياح، وتوسيع العروض السياحية لتشمل مجموعة متنوعة من الأنشطة الثقافية والترفيهية والبيئية، كما تعمل الحكومة على الترويج لمصر كوجهةٍ سياحية عالمية من خلال حملات تسويقية دولية ومشاركات فعالة في المعارض السياحية العالمية، حيث إن تحقيق هذا الهدف سيسهم بشكل كبير في دعم الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل جديدة وزيادة الدخل القومي.
وأضاف أن برنامج العمل يستهدف أيضًا تحويل مصر إلى مركز عالمي للوجستيات والتجارة، من خلال تبنِّي العديد من الإجراءات التي منها: إنشاء مراكز لوجستية دولية مُتكاملة بجوار الموانئ البحرية، من خلال تطوير 7 ممرات لوجستية دولية تنموية متكاملة لربط مناطق الإنتاج (الصناعي، الزراعي، التعديني، الخدمي) بالموانئ البحرية بوسائل نقل سريعة وآمنة مرورًا بالموانئ الجافة والمناطق اللوجستية المتكاملة، فضلًا عن تطوير الموانئ البحرية من خلال إنشاء أرصفة جديدة ليصل إجمالي أطوال الأرصفة بالموانئ البحرية إلى 100 كم، وتطوير الأسطول البحري المصري ليكون قادرًا على نقل 20 مليون طن بضائع متنوعة سنويًا، كما تعمل الحكومة على تكوين شراكات استراتيجية مع كبرى شركات إدارة وتشغيل محطات الحاويات العالمية والخطوط الملاحية العالمية لضمان وصول وتردد أكبر عدد ممكن من السفن العالمية على الموانئ المصرية، واستكمال مخطط تنفيذ إنشاء عدد 31 ميناءً جافًا ومنطقة لوجستية على مستوى الجمهورية.
وأكد رئيس الوزراء أن الحكومة ستواصل جهودها في تعزيز قطاع التشييد والبناء من خلال استمرار إعمال منظومة التخطيط العمراني، وتبسيط وتسريع عمليات الترخيص والموافقة على مشروعات البناء من خلال تنفيذ منصات رقمية لتقديم الطلبات والموافقات، كما تعمل على تفعيل تعديلات قانون التصالح في مخالفات البناء رقم 187 لسنة 2023 ولائحته التنفيذية، وقد أطلقت الحكومة المنظومة الالكترونية لقانون التصالح في إطار الحرص على تقديم الخدمات للمواطنين بطريقة ميسرة وبسيطة، كما ستعمل خلال البرنامج على بناء نحو 500 ألف وحدة سكنية بديلة بالمناطق غير المخططة، هذا بالإضافة إلى تعزيز مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ مشروعات البنية التحتية والتنمية العمرانية.
كما أكد حرص الحكومة الدائم على زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد المصري، حيث استهدفت من أجل ذلك عددًا من البرامج الرئيسية تتمثل في: مواصلة تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة للأصول، وتنظيم ملكية الدولة في الشركات المملوكة لها، وتعظيم العائد على الأصول المملوكة للدولة، وإعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية، والاستمرار في برنامج الطروحات، فضلًا عن تعزيز المنافسة العادلة في الأسواق الإنتاجية، وتحسين بيئة الأعمال، وتسهيل الأعمال التجارية، مع تبنِّي سياسات وبرامج تستهدف جذب الاستثمارات، وتبسيط الإطار التشريعي والتنظيمي.
وفي سياق متصل، أكد الدكتور مصطفى مدبولي أن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة تسبَّبت في ارتفاع معدلات التضخم على المستوى العالمي، معتبرًا أن مصر لم تكن بِمَعزِل عن هذه الأزمات؛ فقد شهدت الأسواق المصرية ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار العديد من السلع والمنتجات، ومع انحسار الضغوط التضخمية خلال عام 2024 استهدفت الحكومة تنفيذ مجموعة برامج، يأتي على رأسها ضمان توافر جميع السلع في الأسواق المحلية، والتوسُّع في الإنتاج الزراعي والغذائي مع ضمان تحقيق الاستقرار السعري، هذا فضلًا عن تطوير منظومة سلاسل التوريد، ورقمنة أسواق السلع الرئيسية، مشيرًا إلى أننا لمسنا مؤخرًا تراجع معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية ليسجل 27.4% في مايو 2024 بعد أن وصل إلى 39.7% في أغسطس 2023، مؤكدًا استمرار جهود الحكومة لخفض هذا المعدل وتخفيف الأعباء على المواطنين.
وأضاف أن الحكومة ستسعى باستمرار نحو رفع كفاءة الأداء الحكومي، وقد استهدفت عددًا من البرامج يأتي في مقدمتها: دعم التحول الرقمي من خلال تعزيز استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في جميع القطاعات عبر تطوير بنية تحتية رقمية قوية تشمل شبكات اتصالات فائقة السرعة ومراكز بيانات آمنة وبرامج وخدمات رقمية سهلة الاستخدام، ومواصلة ميكنة منظومة الخدمات الحكومية الرقمية في جميع الخدمات الاستراتيجية والحيوية بالنسبة للمواطن، كما ستعمل على تطوير وتطبيق حلول الذكاء الاصطناعي في قطاعات الرعاية الصحية، والتعليم، والزراعة، والنقل، والخدمات اللوجستية، وفي خدمة العملاء والشكاوى الحكومية، بالإضافة إلى تطوير برامج تدريبية لرفع القدرات والمهارات في مجال الذكاء الاصطناعي.
المحور الرابع “تحقيق الاستقرار السياسي والتماسُك الوطني”
يأتي من منطلق كون استقرار الدولة المصرية يعتمد على قدرة مؤسسات الدولة على التكيُّف مع حركة التفاعلات في المجتمع، ومواجهة التحديات الداخلية والتهديدات الخارجية الرامية إلى استغلال المجتمع أو فرض أوضاع غير مقبولة عليه.
وأكد رئيس الوزراء أن برنامج عمل الحكومة في هذا المحور يقوم على مبادئ رئيسية حاكمة تضم: دولة ديمقراطية مدنية، تقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون، وإعلاء قيم المساواة والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وتدعم الحقوق والحريات. ودولة تُعلي من قيمة المواطن، وتسعى إلى بناء الإنسان المصري بناء متكاملًا صحيًّا وعقليًّا وثقافيًّا. ودولة قوية تمتلك القدرات الشاملة عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وتسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار والتنمية. ودولة ذات مكانة رائدة إقليميًّا ودوليًّا، تقوم بدور فاعل في مختلف القضايا الإقليمية، وتحقق التوازن في علاقاتها الخارجية.
ومن هذا المنطلق، أشار رئيس الوزراء إلى أن هذا المحور تَضمَّن تعزيز المشاركة السياسية والحكم الرشيد، وذلك من خلال دعم اللامركزية وتمكين المجتمع المحلي، عن طريق العمل على سرعة إصدار قانون المجالس الشعبية المحلية وسرعة إجراء انتخاباتها، والتوافُق على النظام الانتخابي للمجالس الشعبية المحلية، بالإضافة إلى إتاحة آليات وتدابير لإشراك المواطنين في التخطيط وإدارة المشروعات والمرافق، عبر تشكيل لجان التخطيط التشاركي الذي أسهمت تجربة حياة كريمة في توضيح وترسيخ معانيه.
وتؤكد الحكومة أهمية تعزيز التواصل السياسي مع كافة مكونات المجتمع المصري كجزء من استراتيجيتها لتحقيق الشمولية والوحدة الوطنية، وتسعى من خلال هذا التوجه إلى فتح قنوات حوار فعالة مع جميع الأطياف والفئات المجتمعية لضمان مشاركة واسعة في عملية صنع القرار وتعزيز التفاهم المشترك، ويشمل هذا التواصل؛ الاجتماعات الدورية مع مجلس أمناء الحوار الوطني، وممثلي المجتمع المدني، والنقابات، والأحزاب السياسية، والشباب، والمرأة، والمجموعات المهمشة، لضمان سماع أصواتهم وتلبية احتياجاتهم، كما تلتزم الحكومة بتعزيز الشفافية وتوفير المعلومات اللازمة للمواطنين حول السياسات والقرارات الحكومية، مما يسهم في بناء الثقة وتعزيز الانتماء الوطني.
كما أكد رئيس الوزراء على تعزيز حقوق الإنسان من خلال الاهتمام بالفئات الأَوْلَى بالرعاية، وتفعيل القانون رقم 19 لسنة 2024 الخاص برعاية حقوق المسنين وإصدار لائحته التنفيذية، مع مواصلة العمل على ضمان عدالة توزيع ثمار التنمية، ودعم تحقيق التنمية في المحافظات الحدودية، بما يضمن اندماجها في المشروعات القومية الضخمة، مع التركيز على نشر روح التسامح لتقليل جميع أشكال العنف في المجتمع، وتعزيز التواصل بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان.
وأكد أيضًا أن الحكومة ستحرص على تعزيز البنية التشريعية التي تكفل للمجتمع المدني ممارسة دوره بحرية واستقلالية، والنظر في التعديلات المقدمة من خلال المرحلة الأولى للحوار الوطني، وكذلك تفعيل دور النقابات المهنية، فضلًا عن تعزيز ثقة المواطنين بالحكومة، وخاصةً فيما يتعلق بتعزيز مشاركة الشباب والمرأة في الحياة السياسية والاقتصادية، وذلك من خلال طرح مبادرات لتعزيز المشاركة السياسية للشباب والتوعية بحقوقهم المدنية والسياسية، هذا، وتؤكد الحكومة على بناء أواصر الثقة بين المواطن والدولة، وذلك من خلال: تعميق الشفافية والمُساءَلة المجتمعية، والاستجابة لمطالب واحتياجات المواطنين، وتعزيز سيادة القانون، مع مواصلة التوسـُّع فـي أعمـال مَيْكَنـة إجـراءات التقاضـي فـي المحاكـم والجهـات المعاونـة لهـا.
وعقب استعراض محددات محاور برنامج عمل الحكومة، أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أنه أراد أن يبعث من خلال هذا المجلس الموقر رسالة اطمئنان إلى أبناء مصر الأعزاء، مؤكدًا على عددٍ من الأمور الهامة التي يجب أن نضعها معًا نصب أعيننا ونحن نكمل المسيرة في المستقبل، حيث أكد أن مصر قادرة، وتمتلك من الثروات الطبيعية والبشرية، ومن الإمكانات ما يجعلها قادرة على أن تكمل مسيرتها في المستقبل بكل ثقة واطمئنان، لافتًا إلى أن كل الإنجازات التي تتم على هذه الأرض، هي إنجازات الشعب المصري كما يؤكد السيد الرئيس دائمًا، وما الأفراد كبيرهم وصغيرهم إلا تروس في الآلة المصرية الكبيرة، آلة الشعب الذي صنع الحضارة، والذي لا يزال يصنعها، كما أن التكاتف بين الشعب والحكومة، والتماسك الاجتماعي، والالتفاف حول هدف واحد هو الوسيلة الهامة لتحقيق النجاح.
وأكد رئيس الوزراء أن الحكومة سوف تعمل بكل قوتها لتنفيذ توصيات فخامة الرئيس، وأن تستلهم من المراجعة المستمرة من مجلس النواب الذي يؤدى دوره الرقابي، مسارات لتطوير الأعمال المختلفة، كما أن الحكومة سوف تعمل على متابعة مشاكل المواطنين والتعرف على حاجاتهم والعمل على حلها، وسوف تواجه بكل حزم أي تجاوز من جانب الجهاز الإداري أثناء أداء الخدمات للمواطنين.
وأشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أن الحكومة ستضع بين أيدي مجلس النواب وثيقةً تفصيليةً لبرنامج عمل الحكومة تضم أكثر من 300 صفحة توضح بشكل جلي مسارات وبرامج عملها، والتي استعرض في هذا البيان جزءًا يسيرًا منها، مؤكدًا: “نرحب بجميع الآراء والتوصيات عقب دراسة البرنامج من مجلسكم المُوَقر، لنُقِرَّ معًا مسارات عمل الحكومة للفترة القادمة، ونحوزَ ثقةَ أعضاءِ السلطة التشريعية ممثلي الشعب”.
وأكد رئيس الوزراء أن الحكومة تتعهد بالالتزام برفع تقارير متابعة الأداء والنتائج إلى البرلمان بشكل دوري، لضمان الشفافية والمساءلة وتحقيق الأهداف المنشودة، كما ستعمل الحكومة على عقد مؤتمرات صحفية مُنتظمة لإعلان هذه النتائج وتوضيحها للرأي العام المصري بكل وضوح وشفافية، معتبرًا أن هذا الالتزام يأتي في إطار حرص الحكومة على التواصل المستمر مع المواطنين واطلاعهم على كافة المُستجدات المتعلقة بتنفيذ البرامج والمشاريع الوطنية، مما يعزز الثقة المتبادلة ويضمن تحقيق التنمية المستدامة والشاملة في كافة المجالات.
واختتم رئيس الوزراء بيانه أمام مجلس النواب، قائلًا: “إننا نشهدُ اليومَ بدايةَ مرحلةٍ جديدةٍ من العمل الوطني، نؤكد فيها التزامَنا بتحقيق ما تعاهدنا عليه، ونسير بخطى واثقة لتحقيق مستهدفات برنامج عملِنا في المدى الزمني المُحدَّد، مستندين إلى نهج تنموي مستدام يُلبي احتياجات الحاضر ومتطلبات المستقبل”.
وأضاف: “نتطلع معًا إلى غدٍ أفضل، نتشارك من أجل استكمال مسيرة بناء وطننا، ونعمل جميعًا بتفانٍ وإخلاص، واضعينَ رفعةَ الوطن صوب أعيُنِنا، وصالحَ المواطن على رأس أولوياتنا، موقنين بأنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أجرَ مَن أَحسَنَ عَملًا”.