التيك توك والقرآن.. كيف تحدث الله عن البلوجرز

بينما كنت أجلس ذات مساء، على أريكتي في منزلي بالإسكندرية، بعد يوم عمل شاق، واستغرقني التفكير، في حقيبتي التي أحملها معي يوميا، كما مرة انقطعت الحقيبة واضطررت للذهاب إلى “الجزمجي”، لإصلاحها، وكم أن هذه الحقيبة كلفتني أموالا لإصلاحها، وذهبت في استغراق عميق من التفكير، تقطع زوجتي هذا الاستغراق الهادئ، وتنادي علي كعادتها ـ خمسميت مرة ـ نظرت إليها وكأني كنت نائما منذ ساعات، تضع هاتفها المحمول في وجهي وتسألني ـ تعرف دا ؟؟ ـ.

نظرت مليا متفحصا في الهاتف، مقطع فيديو على تيك توك، لشاب طويل أبيض بشارب أشبه بشوارب ـ عساكر الدرك بتوع زمان ـ، وهو يتراقص ويغني، ومعه في جولة من جولات التيك توك بطلة من أبطال البورنو السابقات، ويتحدثن بكل وقاحة بإيحاءات جنسية فجة، فنظرت إليها وقلت لها مرتعدا “والمصحف ما أعرفه”.

نظرت إلي زوجتي نظرات وكيل النيابة المعتادة وقالت: ركز وتفحص انت تعرفه كويس، فأقسمت أنني لم أره سابقا، فباغتتني باسمه إنه فلان ابن طنط فلانة وعمو فلان، فضحكت ضحكة ـ حلاوة العنتبلي ـ ساخرا، ثم أجبتها بسخرية يستحيل دا كلام فارغ مش هو، ولكن الحقيقة المرة أنه هو هذا الشخص، الذي أعرفه وأعرف والديه كيف كانا مثالا للأخلاق والمثل العليا، كيف به ينحدر في هذا الجب العميق من السوء والرخص، أخذتني الحيرة والاندهاش، كيف حال والديه بما يفعله نجلهما المليونير، أو الملياردير الذي جمع الملايين التي لم يحلم بها يوما ما والده، في أيام معدودة من أرباح التيك توك.

فوجأت وفقا لحديثه هو في إحدى جولاته، أنه يملك فيلات في أماكن مرموقة جدا، وسيارات بملايين، ولديه حسابات بنكية بمئات الملايين، حصيلة الأسد والوردة والتكبيس، في أسابيع قليلة أصبح آسرا لقلوب الفتيات، شخصية عامة ومهمة، يتهافت عليه المغنون والفنانون، ويتصارع عليه المارة في الشارع لالتقاط صورة معه، ـ ربنا يبارك له ـ، ولكن كيف ذاك.

كيف أصبح والديه فخورين بابنهما، بعدما أصبح “رقاصة بشنب”، وأشهر بلوجر في مصر والوطن العربي، المعروف بالإيفهات الجنسية، وقد كانا في نظري كفاتن حمامة في ضمير أبلة حكمت ونور الشريف في آخر الرجال المحترمين، كيف تغير بوصلتيهما واستدارت بعيدا عن الأخلاق والمثل.

تذكرت وقتها قارون وكيف أن مفاتيح الحجرات التي تضم كنوزه، يصعب حملها على مجموعة من الرجال الأشداء، وزاد حزني لما رأيت التهافت عليه، وهو يقدم المحتوى الخبيث المقيت، وكيف أن آلاف الشباب انبهر به، فتذكرت قارون أيضا لما خرج ذات يوم على قومه، بكامل زينته، فطارت قلوب بعضهم، وتمنوا أن لو كان لديهم مثل ما أوتي قارون، وأحسوا أنه في نعمة كبيرة.

انظر كيف السيارات تخدع، وكيف الفيلات والعقارات والمقابلات والسفريات والشورتات باهظة الثمن والموبايلات الذهب، كيف ينخدع الناس بشكل سريع في ظل هذه الأجواء الاقتصادية الصعبة، بهذه المظاهر، التي أتت من مصدر خبيث ورث، وانظر في الجهة المقابلة كيف جاء العقاب حاسما لقارون (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) في لمحة خاطفة ابتلعته الأرض وابتلعت داره، ولم يجد أحد ينصره ولم ينفعه ماله ولا رجاله، وأصبح الذين تمنوا مكانه أمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا.

أنا أعلم أن السعي نحو الثروة السريعة له جاذبية لا تُقاوم، خاصة في مجتمعات تعاني من البطالة أو الفقر، والناس يبحثون عن حل سريع لمشاكلهم المالية، ويُغريهم الوعود بعوائد كبيرة في وقت قصير وكل الفتن حولنا تسهم في تعزيز هذا النوع من التفكير من خلال عرض قصص النجاح التي تفتقر إلى كل مسببات النجاح ذاته.

الخلاصة، لا تنخدعوا بهؤلاء، لا تيأسو من السعي الجاد، حتى وإن كان كاتب هذه الكلمات يائسا، أمام هول النفقات وقلة الدخول، أمام كساد بضاعة الصلاح، ورواج بضاعة الطلاح، إن والله سنن الله ماضية، ولن يظل الحال على اعوجاجه، والعاقبة لمن اتقى.

 لست داعية ولا شيخا، ولا أكتب هذه  العبارات بحقد طبقي، ولا بإرث ناصري اشتراكي، إنما بنظرة المتفحص، إنه مهما حادت الدفة، وضلت سيأتي يوما ويستقيم الحال، وسيعود العلماء والنبغاء والمثقفون والأدباء والكتاب والمجتهدون للصدارة، وستروج بضاعتهم من جديد، وسيكونون هم نجوم المجتمع وقادته بدلا من هؤلاء الشرذمة الكثيرين، وستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله.