قالت دار الإفتاء المصرية، إنه إذا وجبت الفدية على المُحْرِمِ جَرَّاءَ ما ارتَكَبَه مِن مَحْظُورَات خِلَالَ فَتْرَةِ الإحرام فله أن يُفدي عن ذلك بالذَّبْحِ أو الصيَامِ أو الإطعَام، وإن تخيَّر الإطعام فله أن يُطعم ستة مساكين كما هو مذهب الجمهور، وله أن يخرج قيمة ذلك الطعام مالًا على ما ذهب إليه الحنفية.
حكم استبدال الإطعام بالقيمة في فدية الحج
الحَجُّ مِن الشعائر المشتملة على أنواعٍ مِن المناسك والقُرُبات، والتي منها: الفدية على مَن ارتكب محظورًا مِن محظورات الإحرام، كالحَلْق، أو التَّطيُّب، أو قَصِّ الأظفار، أو نحو ذلك من المحظورات.
والمقصود بالفدية هنا: ما نَصَّت عليه الآية الكريمة: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196].
فالآية دالةٌ بنَصِّها على تخيير الفادي بين الذَّبْح، والصيام، والإطعام.
والفقهاء وإن اتَّفقوا على جواز إخراج الطعام كفديةٍ في هذا الشأن، إلَّا أنهم اختلفوا في مدى جواز إخراج قيمة هذا الإطعام، وخلافهم في ذلك مُخَرَّجٌ على الاختلاف في جواز إخراج القيمة بَدَلًا عن الإطعام في الكفارات، ووجه التخريج والإلحاق: هو اتحاد صورة الـمُخْرَج -وهي الإطعام- في كلٍّ مِن الكفَّارات والفدية، إضافة إلى وجود التَّشابه بين الكفارة والفدية من حيث إنَّ كلًّا منهما جبرٌ للخَلَل الواقع مِن المكلَّف.
فيرى المالكية، والشافعيةُ، والحنابلةُ في المعتمد: أنَّ إخراج القيمة بَدَلًا عن الإطعام في الكفارات لا يجزئ.
قال العلامة الحَطَّاب المالكي في “مواهب الجليل”عند كلامه على تفسير التخيير الوارد في قوله تعالى: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المائدة: 89]: [لا تُجْزِئ القيمة عن الإطعام والكسوة].
وقال الإمام محيي الدِّين النَّوَوي الشافعي في “روضة الطالبين”: [جنس طعام الكفارة كالفِطرَةِ… ولا تجزئ القيمة قطعًا].
وقال العَلَّامة أبو السَّعَادات البُهُوتي الحنبلي في “كشاف القناع” عند كلامه على كَفَّارة الظهار: [(ولا يجزئ إخراج القيمة)؛ لأنَّ الواجب هو الإطعام، وإعطاء القيمة ليس بإطعامٍ].
ومُدْرَكُهم في ذلك كما أَوْرده أبو إسحاق الشِّيرَازي الشافعي في “المهذب”: [أنَّ إخراج الإطعام حقٌّ لله تعالى بنصِّ الآية السابقة، وقد علَّقه سبحانه وتعالى على ما نَصَّ عليه، فلا يجوز نَقْل ذلك إلى غيره، كالأضحية لمَّا علَّقها على الأنعام لم يَجُزْ نَقْلُها إلى غيرها].
مذهب الحنفية في حكم استبدال الإطعام بالقيمة في فدية الحج
بينما ذهب فقهاء الحنفية إلى جواز إخراج القيمة بَدَلًا عن الإطعام، وهو ما نَسَبه أبو بكر الأَثْرم رواية للإمام أحمد.
وقال العَلَّامة مُوفَّق الدِّين ابن قُدَامة الحنبلي في “المغني” عند كلامه على عدم إجزاء القيمة في الكفارة: [وخرَّجَ بعضُ أَصحابنا من كلام أَحمد رواية أُخرى: أَنَّهُ يُجزئه، وهو ما روى الأثرم أَنَّ رجلًا سأَل أَحمد قال: أَعطيتُ في كفارةٍ خمسة دوانيق؟ فقال: “لو استشرتني قبل أَن تَعطي لم أُشر عليك، ولكن أعط ما بقي من الأَثمان على ما قلتُ لك”، وسَكَت عن الذي أَعطى. وهذا ليس بروايةٍ، وإِنما سكت عن الذي أَعطى؛ لأَنَّه مختلف فيه، فلم ير التضييق عليه فيه].
ومُدْرَك ذلك أَنَّ المعتبر هو الإخراج، وذلك يَحْصُل بالقيمة كما يَحْصُل بالإطعام.
وما ذهب إليه الجمهور مِن أَنَّ الإطعام حقٌّ لله لا يجوز تغييره -فيه بحث؛ لأنَّ إطعام المسكين يحصل بتمليك القيمة أيضًا، فكان تمليك القيمة من الفقير إطعامًا له وتأديةً لحق الله تعالى، كما أَنَّ “القيمة في دَفْع الحاجة مثل الطعام، فورود الشرع بجواز الطعام يكون ورودًا بجواز القيمة، بل أولى؛ وذلك لأنَّ تمليك الثمن أقرب إلى قضاء حاجة المسكين مِن تمليك عين الطعام؛ لأنَّه به يُتوصَّل إلى ما يختاره مِن الغذاء الذي اعتاد الاغتذاء به، فكان أقرب إلى قضاء حاجته، فكان أولى بالجواز”، كما في “بدائع الصنائع” للكاساني.
والأمرُ في ذلك واسع، فمَنْ شاء أخرج الطعام كفدية عن ارتكابه محظورًا من محظورات الإحرام، كما هو مذهب الجمهور، ومَن شاء أخرج قيمة ذلك الطعام ولا حرج عليه كما ذهب إلى ذلك الحنفية.