خريف الغضب يجتاح إسرائيل.. ومئات الآلآف يطالبون بوقف الحرب

«أيلول الأسود»

«نتنياهو» يصعد للهاوية.. بإضراب عام «للهستدروت»

«بيبى» قتل الأسرى فى غزة.. ليس مجرد هتاف يجتاز الحواجز ودخان القنابل فيما يرتدى أحد المستوطنين قناعا لوجه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو مغرقا يديه باللون الأحمر فى إشارة إلى أنه «قاتل».. إنه سبتمبر «إيلول الأسود» الصهونى بخريف غضب العبرى يزلزل الكيان الصهيونى برياح تغيير عاتية وعاصفة شعبية زلزلت حكومة الاحتلال وكشفت عورتها السياسية وضربها لكل قوانين الحقوق والحريات عرض الحائط على مرأى ومسمع من العالم كما فضحتها الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى فى غزة، والتى تقترب من دخول عامها الأول بمئات الآلاف من الشهداء والمصابين والمفقودين والنازحين فى وضع كارثى.
وشهد الكيان الصهيونى خلال الساعات الماضية أولى موجات خريف الغضب العبرى بمشاركة زعيم المعارضة «يائير لابيد» وعضو مجلس الحرب السابق «بيبى جانتس» وأعضاء من الكنسيت وفيما حاصر مئات الحريديم مراكز قوات الاحتلال رفضا لقانون التجنيد، وذلك على وقع الإضراب العام للمؤسسات الاقتصادية الاحتجاجات لمئات الآلاف من أهالى الرهائن والمستوطنين ضد رئيس وزراء الاحتلال «بنيامين نتنياهو» للمطالبة لوقف حرب غزة وإنقاذ صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية
وانتقد رئيس منظمة المعلمين، «ران إيرز»، الحكومة الإسرائيلية خلال مؤتمر صحفى، متهمًا إياها بالتخلى عن الأسرى وتركهم فيما وصفه بالجحيم
وقال «إيرز»: «الحكومة قررت التضحية بالأسرى لصالح الحفاظ على الموقف العسكرى فى محور فيلادلفيا».
وأكد استعداد منظمة المعلمين لتنفيذ إضراب طويل الأمد من أجل دعم قضية الأسرى، مشيرًا إلى أن قادة الحكومة يتخذون قرارات تتعلق بحياة الأسرى فى إطار سياسة تتعلق بالحفاظ على هذا السيطرة على محور فيلادلفيا.
وأغلق متظاهرون إسرائيليون، طريقا رئيسا فى مدينة تل أبيب، ومدخل مدينة القدس المحتلة وشارعا مركزيا فى مدينة بئر السبع، فيما تظاهر آخرون فى كرمئيل ورحوفوت؛ وأكدت وسائل الإعلام العبرية مشاركة أكثر من 400 ألف شخص.
كما تجمع متظاهرون إسرائيليون أمام مكتب «نتنياهو»، تنديدا بتخلى الحكومة عن الأسرى، وللمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية.
ولم تفلح محاولات الشرطة الإسرائيلية بعربات المياه العادمة وقنابل الغاز المسيل للدموع وخيولها التى دهست الغاضبين فى تفريق المستوطنيين الذين احتلو المدن والشوارع على الرغم من اعتقال المئات منهم إلا أنهم واصلوا احتجاجاتهم.
وأعلنت إذاعة الاحتلال الإسرائيلى أن قاضى محكمة العمل قد قبل اقتراح الهستدروت بشأن الإضراب، مؤكدًا أنه لن يتم إصدار أى مذكرات اعتقال بحق المشاركين فى الإضراب، ويأتى القرار فى إطار الجهود المبذولة لحل النزاع العمالى المستمر بين الحكومة والنقابات العمالية.
واشتدت موجات غضب الإسرائيليين بالمستعمرات الصهيوينة بالداخل الفلسطينى المحتل ووصلت لذروتها مع الإضراب العمالى الضخم الذى أعلنت عنه نقابة العمال الإسرائيلية (الهستدروت) ليوم واحد حيز التنفيذ، للضغط على رئيس الحكومة، لإبرام صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس، وذلك بعد عثور تل أبيب، على جثامين 6 محتجزين من داخل نفق فى غزة. والذى فجر الشارع الإسرائيلى فيما تدرس «الهستدروت» تمديد الإضراب باعتبارها أكثر نقابات عمال فى العالم لها تأثير قوى على السياسة فى الدولة.

وقال «بار دافيد» ممثل اتحاد الهستدروت، فى مؤتمر صحفى «يجب التوصل إلى اتفاق بشأن عودة الرهائن الباقين على قيد الحياة.. الاتفاق أهم من أى شىء آخر، نحن نحصل على أكياس الجثث بدلًا من الصفقة».
وتضم «الهستدروت» فى عضويتها مئات الآلاف بمن فيهم الموظفون فى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى وعادة لا يلجأ الاتحاد العام لعمال إسرائيل للإضراب إلا فى الأوقات الحرجة ويكون له فعله المؤثر. وعادة ما يكون لإضرابات الهستدروت تأثيرها على صناع القرار.
ولكن من غير الواضح إذا ما كان الإضراب، وهو ليوم واحد سيؤثر على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالتراجع عن عقبة السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا على الحدود بين مصر وبين القطاع خاصة عقب مطالبة وزير الحرب «يواف جالانت» لـ«نتنياهو» فى وقت سابق بالانسحاب من المحور ولم يسبق أن وافق «الهستدروت» على الإضراب منذ بداية الحرب فى 7 أكتوبر الماضى، رغم المطالبات المتكررة من قبل عائلات الرهائن الإسرائيليين والمعارضة.
وأكد رئيس قسم الإعلام فى الهستدروت للإعلام العبرى أن 95٪ من السلطات المحلية تلتزم بالإضراب وتوقفت الحياة فى (السابعة ونصف بالتوقيت المحلي)، بتعطيل بعض السلطات المحلية والمؤسسات الحكومية والقطار الخفيف فى منطقة تل أبيب الكبرى، والمصارف ومصالح تجارية أخرى، إضافة إلى مؤسسات تعليمية عدة فضلًا عن خدمات النقل العام.
كما توقفت الرحلات القادمة والمغادرة مع حدوث تشويشات فى مطار بن جوريون، وستظل متاجر المواد الغذائية والسوبر ماركت مفتوحة إلى حد كبير، على الرغم من إضراب مراكز التسوق الكبرى.
كما ستعمل المستشفيات بكامل طاقتها فى عطلة نهاية الأسبوع، وتعمل العيادات الصحية فى إطار الطوارئ، كما أن خدمات «نجمة داوود الحمراء» ستعمل بشكل طبيعى.
وأكدت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أن اتحاد السلطات المحلية فى إسرائيل، سيضرب أيضًا، كما دعت «الهستدروت» إلى إضراب فى بلديات القدس وتل أبيب وحيفا، إلا أن بلدية القدس أعلنت أنها لن تتعاون مع الإضراب. وأعلنت مفوضية خدمات الدولة ووزارة المالية أن الموظفين الذين يضربون عن العمل لن يتقاضون أجرًا.
وكانت المستشارة القانونية للحكومة أوعزت إلى النيابة بالتوجه إلى محكمة العمل بطلب إصدار أمر لمنع الإضراب، مستجيبة بذلك لطلب وزير المالية «بتسلئيل سموتريتش»
دماء الرهائن على يديه
وجه مسئول رفيع فى حكومة العدو، انتقادات لـ«نتنياهو»، متهمًا إياه بأنه يتحمل مسئولية مقتل الأسرى فى قطاع غزة، وقال إن «الدماء على يديه رغم أن مسئولية حماس عن مقتل الأسرى لا يمكن إنكارها».
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مسئول إسرائيلى رفيع المستوى إن «نتنياهو» كان على علم بأن حياة الأسرى تتضاءل يومًا بعد يوم، وأن لديهم (لدى حراسهم من عناصر المقاومة) تعليمات لقتلهم إذا حاولت القوات الإسرائيلية إنقاذهم، مضيفًا أن نتنياهو كان يفهم تمامًا معنى قراراته وتصرف ببرود وقسوة.
وأضاف «كان الجميع يعلمون أنه فاسد ونرجسى وجبان، لكن وحشيته لم تنكشف بكل قبحها إلا فى الأشهر القليلة الماضية. الدماء على يديه، رغم أن مسئولية حماس عن مقتل الأسرى لا يمكن إنكارها».
واتهم “وزراء الكابينيت من حزب الليكود” بتحمل مسئولية مباشرة عن مقتل الرهائن، وأضاف “أضفوا هؤلاء الوزراء طابع من القدسية على محور فيلادلفيا”، موضحًا أنه “كانوا سيغيرون رأيهم بسرعة ويدعمون صفقة لو كانوا يعلمون أن نتنياهو يؤيدها”، موجهًا انتقادات إلى وزراء مثل يسرائيل كاتس وميرى ريغيف وإيلى كوهين، ووصفهم بأنهم أشخاص بلا عزم ولا ضمير»
كما انتقد مسئولون آخرون، بمن فى ذلك أرييه درعى، الذى وصف بأنه “متسامح” و”عقلاني”، مشددًا على أنه كان بإمكانه “إنقاذ الأسرى والدولة لو كان قائدًا حقيقيًا”. وأكد أن “شاس”، الحزب الذى يقوده درعى، أعلن دعمه لأى اقتراح يهدف إلى تحرير الأسرى، لكنه لم يبذل جهدًا حقيقيًا لتحقيق ذلك.
واعتبرت “هآرتس” أن نتنياهو “كان وحيدًا فى الساحة السياسية، وكلما زادت المسافة بينه وبين خطر الإقالة، زادت ثقته بنفسه”.
وأشارت إلى أنه وفى الأسابيع الأخيرة، وخاصة بعد اجتماع الكابينيت بشأن محور فيلادلفيا، لم يعد يخاف من رد الفعل، وأنه قام بإصدار قرار بشأن إبقاء القوات الإسرائيلية من المحور بينما كان يعرف أنه بذلك يخاطر بحياة الأسرى”.
أورق ضغط بيد للمقاومة
وتعتبر دعوة «نقابة الهستدروت» إلى إضراب شامل، للضغط على حكومة الاحتلال عقب مقتل 6 أسرى إسرائيليين فى غزة، يعتبر تطورا مهما فى موقف المجتمع الإسرائيلى تجاه الحرب، مع تفكك الإجماع السابق.
كما يعد ذلك تحولا ملحوظا فى موقف المجتمع الإسرائيلى تجاه الحرب، وأضاف «أن الإجماع الذى كان حول هذه الحرب بدأ يتفكك، وهناك انقسام عميق داخل المجتمع الإسرائيلى»، وأشار إلى أن هذا التحول قد يؤدى إلى «ظهور الخلافات القديمة إلى السطح، مثل الانقسامات بين اليمين واليسار».
كما تكشف خطوة «الهستدروت» عن الانقسام الكبير الذى بدأ يظهر داخل المجتمع الإسرائيلى حول موقفه من هذه الحرب وأهدافها، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يسعى إلى إطالة أمد الحرب وصولا إلى موعد الانتخابات الأمريكية رغم فشله فى حسم جميع الملفات العالقة حوله مثل حرب غزة والجبهة الشمالية وملف الأسرى.
ومع استمرار الحرب للشهر الحادى عشر على غزة دون أى إنجاز ملحوظ لـ«نتنياهو» بدأ المجتمع الإسرائيلى يدرك أن استمرار العدوان ليس له أى سند أخلاقى، فيما تمر إسرائيل بحالة غير مسبوقة من عدم اليقين، وهشاشة بعض المكونات الرئيسية التى قامت عليها الحركة الصهيونية.
كما أن «الهستدروت» هى نقابة مسئولة عن أغلب العاملين والموظفين فى القطاع العام الإسرائيلى، بما فى ذلك الشركات الحكومية والمجالس المحلية والبلديات»، وأضاف أن الإضراب الشامل يعنى «شل الاقتصاد الإسرائيلى بشكل كامل، بما فى ذلك المواصلات العامة والخدمات اليومية».
كما لا يخرج وزير المالية بتسلئيل سموتريتش للعمال المضربين بخصم رواتبهم، عن كونه تصريحا شعبيا، موضحا أنه حاول أن يبدو بطلا أمام ناخبيه ومضى أبعد من ذلك حينما وصف رئيس نقابة الهستدروت بأنه داعم لحركة حماس.
وتمتلك المقاومة الفلسطينية أوراق قوة فى المفاوضات على الرغم من خسارة 6 أسرى، إلا أن وجود أسرى أحياء لا يزال يشكل ضغوطا قوية، كما أن استمرار العمليات فى قطاع غزة والضفة المحتلة يضع ضغوطا إضافية على الحكومة الإسرائيلية.

 

الأسواق المالية فى المنطقة الحمراء

يأتى قرار الهستدروت بتقليص مدة الإضراب فى محاولة لتجنب قرار يمنع الحدث من قبل النائب العام، بينما لا تزال تقيم المحكمة طلب وزير المالية الإسرائيلى بوقف الإضراب، وهذا من شأنه فرض عقوبات وغرامات على الشركات والموظفين فى حالة إقرار المنع.
وأدت هذه الاضطرابات إلى الضغط على الأسواق المالية الإسرائيلية، إذ سجلت العملة الإسرائيلية (الشيكل) تراجعًا بنسبة 0.9% إلى 3.6584 مقابل الدولار، متأثرة بمخاوف تداعيات الإضراب على الاقتصاد.
وتزامن انهيار الشيكل مع انهيار فى بورصة تل أبيب أيضًا، إذ هبطت معظم المؤشرات فى ختام تعاملات جلسة الأحد، وسجل مؤشر «تى إيه 125» انخفاضًا بنحو 0.75%، مع تراجع مؤشر «تى إيه 35» بنسبة 0.88% وإغلاق مؤشر «تى إيه 90» متراجعًا 0.44%.
وجاء تراجع مؤشرات البورصة وهبوط الشيكل الإسرائيلى ليعيد المخاوف إلى المستثمرين، بعدما حققت الأسهم والعملة تعافيًا ملحوظًا ومستويات مرتفعة على مدار الأسبوع الماضى عقب إعلان إسرائيل إطلاق ضربة استباقية ضد إيران.
وقال وزير المالية الإسرائيلى «بتسلئيل سموتريش» إن الإضراب من شأنه الإضرار بالاقتصاد، ودعا النائب العام لتقديم أمر قضائى ضد تلك الخطوة.
وقالت جمعية المصنعين الإسرائيلية إنها تؤيد الإضراب واتهمت الحكومة بالفشل فى واجبها الأخلاقى فى إعادة الأسرى إلى الحياة.
وأضافت «دون عودة الرهائن لن نتمكن من إنهاء الحرب، ولن نتمكن من إعادة تأهيل أنفسنا كمجتمع، ولن نتمكن من البدء فى إعادة تأهيل الاقتصاد الإسرائيلى». ولا يزال نحو 101 أسير محتجزين فى غزة، رغم أن إسرائيل تعتقد أن ثلثهم لم يعودوا على قيد الحياة.
وتوقع مراقبون فى العلاقات الدولية والاقتصاد السياسى، أن استمرار الحرب من شأنه التسبب فى إغلاق 60 ألف شركة خلال السنة الحالية.
وعلقت عدة شركات فى إسرائيل أعمالها بعد منع 140 ألف عامل فلسطينى من العمل بها منذ بداية الحرب، كما غادر العديد من العمال الأجانب الذين يعملون فى هذه المواقع، وفى حالة استمرار الإضراب، قد يؤدى ذلك إلى مزيد من الخسائر الحادة للشركات العاملة داخل البلاد.
ويأتى هذا الإضراب ليضيف إلى مزيد من الضغوط على الاقتصاد الذى يعانى بالفعل من استمرار الحرب فى غزة، إذ خفض بنك إسرائيل من توقعاته لنمو الاقتصاد مع مستوى مرتفع من عدم اليقين الجيوسياسى، وسط سيناريوهات بمزيد من التصعيد على الجبهتين فى غزة وجنوب لبنان.
كما رصد مكتب الإحصاء تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بأكثر من النصف فى الربع الأول من 2024 إلى 1.1 مليار دولار، وفى المقابل، تجاوز الإنفاق الحكومى 300 مليار شيكل أو 81.72 مليار دولار منذ بداية 2024.