75 عامًا على وفاة الضاحك الباكـي.. أيام نجيب الريحاني فى قنا

تمر فى مطلع شهر يونيو الحالي، الذكري الـ 75 على وفاة الفنان الكبير الضاحك الباكي نجيب الريحاني، إذ توفي فى 8 يونيو 1949، وتنشر «الوفد» تفاصيل 5 سنوات قضاها الفنان الراحل موظفًا بشركة سكر نجع حمادي فى شمال قنا. 

في بدايات القرن الماضي، كانت نجع حمادي مركزًا زراعيًا وتجاريًا مهمًا، حيث وقعت أملاك الأمير يوسف كمال أحد أفراد الأسرة العلوية التي حكمت مصر في الفترة من 1805 ـ 1952 فيها، وأنشئت فيها الحكومة مصنعًا لتكرير السكر المستخرج من القصب كصناعة مكملة لقطاع الزراعة في ذلك الوقت. 

التحق نجيب الريحاني بعد حصوله علي شهادة البكالوريا، بوظيفة كاتب حسابات في شركة السكر بنجع حمادي، في سنة 1910، في عهد المدير الفرنسي victor herray، الذي تولي إدارة الشركة في الفترة من 1910 ـ 1939، بأجر يومي 16 قرش يوميًا، بما يعادل 4 جنيهات شهريًا.

الفنان نجيب الريحاني فى أحد أدواره الفنية 

 وأقام في مبني مخصص لإقامة غير المتزوجين، وكان في ريعان شبابه21 عامًا، ولم تكن الوظيفة الحكومية طموحه، إلا أنه ألتحق بها لتعينه علي الحياة بعد تدهور الحالة المالية لوالده تاجر الخيول، والذي ترك علي إثرها دراسته واكتفي بالبكالوريا، وسعي الريحاني لإثبات كفاءته بكل الطرق في شركة سكر نجع حمادي.  

قصة الحسناء: 

ويروي نجيب الريحاني علي استحياء،  في مذكراته الصادرة عن دار الهلال بعنوان«مذكرات نجيب الريحاني»  أنه بعد مرور 7 شهور من عمله بالشركة، حدث ما عكر صفو حاله.

 يقول كان باشكاتب الشركة رجلًا مسنًا، وكان رحمه الله على نياته، وكان مسكني مواجها لمسكنه وقد ولدت هذه الجيرة بيننا اتصالا وثيقا  ويستطرد .. كانت حرم الباشكاتب، على جانب كبير من الجمال، وكانت في سن تسمح لها بأن تكون ابنته لا زوجة.

 وفى ليلة من ليالي الشهر السابع له في الشركة، اضطر الباشكاتب إلى السفر لمصر في مهمة عمل، فحدث أن اتفق «الريحاني» والزوجة على ألا تغلق باب المنزل، حتي يستطيع المرور في منتصف الليل.

وتم الترتيب المتفق، وذهبت السيدة إلى مخدعها بعد أن تظاهرت أمام خادمتها أنها أقفلت الأبواب، ولكن الخادمة أغلقت الباب من الداخل، 

ويضيف «الريحاني»  حان موعد اللقاء فتسللت وما أشد دهشتي حين وجددت الباب موصدا اتجهت إلى منفذ في السقف (منور) تدليت منه،ولكن الخادمة استيقظت في نفس اللحظة،وظنتني لصا يسطو على المتاع،فصرخت بصوتها المنكر!.

 

فصل من  العمل:

وصحا الجيران،  ووفد الخبراء وألقي القبض علي، وكانت فضيحة اكتفوا عقبها بفصلي من عملي،فعدت إلى محلي المختار في قهوة الفن بشارع عبد العزيز.

لم يعد «الريحاني»  إلى منزل أسرته بالقاهرة، بعد فصله من شركة السكر، لأن والدته كانت قد ضاقت به بسبب سعيه الدائم للفن وعدم استقراره في الوظائف، فأقفلت بابها دونه ليقضي يومين لم يذق خلالها للأكل طعما لأنه لم يجد وسيلة يكتسب بها ثمن لقمة العيش.

إعادته إلى شركة سكر نجع حمادي: 

فصل نجيب الريحاني من الشركة بسبب فضيحته مع زوجة رئيسه في العمل، لم يمنع الشركة من إرسال خطاب إليه بعد فترة تطلب منه العودة لاستئناف عمله مرة أخرى.

حيث يقول «الريحاني»  بعد فصلى من العمل أقمت بطنطا مع إحدى الفرق الفنية وإذا في يوم بوالدتي تطرق الباب وكان سبب الحضور المفاجئ لها والذي لم أكن أتوقعه انه وصل خطاب لي بعنوان المنزل في القاهرة من شركة السكر بنجع حمادي تدعوني فيه للعودة لاستئناف عملي بها فجات لي بالخطاب لتقنعني بالعودة وهجر التمثيل.

وعن سبب إعادته للعمل رغم سبب فصله منه يفسر «الريحاني»  ذلك في مذكراته قائلا .. “حدث بين موظفي الشركة وبين الباشكاتب خلاف استحكمت حلقاته، ولكنهم لم يتمكنوا منه، ولم يجدوا سببا مبررًا لفصله من عمله.

 فهداهم تفكيرهم إلى استعمال الحيلة كي يحملوه على الاستقالة، وكانت الحيلة هي أن يعيدوني إلى وظيفتي وعندها سيضطر الباشكاتب لهجر الشركة. 

عاد نجيب الريحاني سريعًا إلى نجع حمادي منتهزًا فرصة إعادته إلى العمل، ولم يدخل في صراع مع الباشكاتب الذي أصبح مرؤوسًا لديه، يروي الضاحك الباكي.. قررت أحسن معاملته حتي صرنا أصدقاء، وأتقنت عملي حتي نلت ثقة الرؤساء وزاد راتبي إلى 14 جنيه شهريًا. 

 

الفن يغوي الضاحك الباكي

يروي الريحاني .. ظللت قرابة العامين هانئا بعيشي واقتصد من هذا المرتب مبلغ يزيد على مائتي جنية، وفى عام ١٩١٢م تسلمت وأنا في نجع حمادي خطابا من الأستاذ عزيز عيد يخبرني فيه أن التمثيل ارتفع شانه وأن الأستاذ جورج ابيض قد عاد من أوروبا وهو ينوى تأليف فرقة. 

 ويستطرد بعد تلاوة الخطاب وازنت بين ما يحويه هذا الخطاب من مزخرفات ومشوقات وبين ما أنا فيه من نعمه شامله و راحة كاملة وأخيرا فضلت البقاء في نجع حمادي ولتفعل فرقة جورج ابيض بالممثلين ما تشاء! 

وبعد وقت، بدأت أرى الصحافة تهتم بالتمثيل والجرائد تكتب عن فلان وفلان من زملائي كنت اقرأ هذه الأشياء وأنا في نجع حمادي فضعفت قوة المقاومة في نفسي ولم أعد احتمل البقاء في أقاصي الصعيد تاركًا هذا العالم يفتح ذراعيه لزملائي الأقدمين فعملت على الحصول على أجازة اقضيها في القاهرة لأرى عن كثب هذا الفن .

ويضيف جئت إلى القاهرة بإجازة شهرين ومعي مائتين من الجنيهات الذهبية الصفراء وكانت كل ما ادخرته في السنوات الماضية، ورحت أشاهد تمثيل جورج ابيض وأتوسع في الأنفاق هنا وهناك كما من ينتقم من أيام الجفاف التي أمضيتها في الصعيد.

ويتابع لم تأت نهاية الأجازة إلا بعد أن أتت على أخر قرش ابيض من قروشي المدخرة  للأيام السوداء، وأخيرا اقترضت أجرة القطار إلى نجع حمادي في الدرجة الثالثة وبعد عودته بدأ  يراوده الحنين للفن!

أمضى نجيب أيامه بنجع حمادي على هذا الحال وبداخله صراع بين البقاء في أقاصى الصعيد وبين حلم التمثيل بالقاهرة, لم يجد سبيل سوى الصبر والتنفيس عن نفسه بالتمثيل والبروفات الفنية بصحبة بعض الأصدقاء. 

وفى يوم من أيام عام 1914  جاء خطاب لنجيب في مكتبه وإذا بالمفاجأة لقد رفت من الشركة مرة أخرى وهذه المرة لم يذكر الأسباب.

عندها اضطر الريحاني للرحيل من نجع حمادي وفى جيبه مبلغ 70 جنية راتب أخر أشهر عمل له بالشركة،  ليعود إلى القاهرة ويستأنف مشواره الفني بعد أنا أمضى في نجع حمادي قرابة الخمس سنوات من عام 1910الى 1914 ميلادية. 

صورنادرة لمقر إقامة نجيب الريحاني بشركة سكر نجع حمادي