الفاجعة – الأسبوع

الفاجعة

سناء السعيد

سناء السعيد

إنها النوائب التى حلت بلبنان بعد أن سلطت عليها اسرائيل حربا شرسة أبادت البشر والحجر. إنها لبنان الدولة التى عرفت الحروب أكثر من أى دولة أخرى، ولا تريد المزيد منها. فهي لا تزال تحمل ندوب الحرب الأهلية من 1975 إلى 1990، والحرب بين إسرائيل وحزب الله في 2006. بيد أن التصعيد الأخير مع إسرائيل يعد أسوأ من الحروب السابقة، فلقد تكبدت البلاد عددا هائلا من الخسائر البشرية فى انفجار الأجهزة الإلكترونية وأجهزة الاتصال اللاسلكية، وفى موجة الاغتيالات التى استهدفت قادة عسكريين فى حزب الله، وفى غارات جوية مدمرة بالقنابل الخارقة للتحصينات التي أودت بزعيم حزب الله “حسن نصرالله” في السابع والعشرين من الشهر الماضى. ولهذا فإن ما يحدث اليوم يعد الأسوأ الذى تشهده البلاد.

الحزن ساد أرجاء لبنان بسبب الصدمة التى مُنى بها الجميع من جرّاء العدد الهائل من الضحايا المدنيين، والصدمة الأكثر وقعا من جراء صمت المجتمع الدولى وكأن ما يحدث على الأرض اللبنانية لا يعنى أى شىء. وهو ما دعا محافظ بيروت إلى أن يقول: بأنه “صُدم من عدد الضحايا المدنيين، ومن صمت المجتمع الدولى الذى ترك العنان لإسرائيل كى تمارس جرائمها على مرأى من العالم دون أن يحرك أحد ساكنا”. عائلات عديدة قضت الليالى فى العراء هربا من الغارات الإسرائيلية فى الضاحية الجنوبية معقل حزب الله. ولا يعرف هؤلاء ما إذا كانوا سيعودون إلى بيوتهم بسلام أم سيتم اجتثاثهم ليصبحوا تحت الأنقاض من جراء عاصفة الغارات التي تشنها إسرائيل على لبنان.

انتشر اللبنانيون فى ساحة العراء خارج منازلهم هربا من القصف الإسرائيلي الذي أباد البشر والحجر. ظهرت بيروت فى مشهد جديد مأساوى.. متاجر أبوابها مغلقة، الشقق تبدو فارغة، أعمدة الدخان ترتفع فى سماء الضاحية، الطائرات المسيرة فى السماء تمارس الانقضاض، أناس فى الساحات يعتريهم الخوف من أن يطالهم دمار الإبادة. حزب الله لم يراقب تحركات المواطنين الذين انتشروا فى الشوارع. انصب تركيزه أكثر على الخطر على حدوده.

لقد تحول لبنان إلى منطقة حرب. وما يخشاه الكثيرون أن تتوسع هذه الحرب لتشمل الشرق الأوسط كله. أسئلة كثيرة تطرح نفسها. ما الذي سيحل بالمنطقة الآن؟ وما هي التطورات التي قد تحدث فى لبنان؟ هل سيرد حزب الله على إسرائيل بقوة؟ وهل يستطيع ذلك؟ هل تتدخل إيران أم أنها مع ما تبدو عليه حتى الآن ليست فى عجلة من أمرها للرد؟ هل سيتحرك أعوان إيران الآخرون فى العراق وسوريا واليمن فى محاولة للمشاركة والرد على جرائم إسرائيل المستمرة؟ لا أحد يعلم ما الذى قد يحدث بعد هذه الفاجعة التي حلت بالدولة اللبنانية.

ولا شك أن مقتل “حسن نصر الله” المفاجئ فى السابع والعشرين من الشهر الماضى قد شكل نقطة تحول جيوسياسية مدمرة، بل وقد يؤدى إلى تعميق الأزمة فى المنطقة، أو يمثل بداية نهايتها وهذا سيعتمد على الحكمة التي تتصرف بها حكومات الدول خلال الأيام القليلة المقبلة لاسيما حكومة الرئيس الأمريكى “جو بايدن”. ومن الممكن أن يؤدى عرض القوة الأمريكية، إلى جانب تحذير إيران، والضغط الدبلوماسى الأمريكى على إسرائيل إلى إرساء الأساس لإنهاء الأعمال العدائية، وإطلاق سراح رهائن حماس فى غزة، وزيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين.واليوم تعقد الآمال على أن تكون الضربات الإسرائيلية على حزب الله قد مثلت انتصارا كافيا لرئيس وزراء إسرائيل “بنيامين نتنياهو”، وأن تقتنع الأطراف بأنه لا يوجد ما يمكن اكتسابه من استمرار القتال، ولكن هناك الكثير لتخسره.