الزاد
قبل ساعات قرر مجلس الوزراء الأمنى فى إسرائيل المصادقة على خرائط تحدد بقاء الجيش الإسرائيلى فى محور فيلادلفيا على حدود قطاع غزة مع مصر، بموافقة أغلبية من 8 وزراء ، وصوت ضدها فقط وزير الدفاع يوآف جالانت، بينما امتنع وزير الأمن القومى إيتمار بن جفير عن التصويت.
يعد هذا القرار بمثابة نسف لأى مفاوضات ومحاولة إسرائيلية لقلب طاولة التفاوض، ظنا من نتنياهو أنه بذلك يضغط على المفاوض العربى وتحديدا هنا المفاوض المصرى والذى يقوم فى هذه النقطة تحديدا بدور الوسيط والشريك على اعتبار أن الوجود الإسرائيلى فى محور فلادلفيا أمر متعلق بالأمن القومى المصرى ومصر ترفض تماما هذا الوجود، وجددت تأكيدها لجميع الأطراف المعنية بعدم قبولها أى تواجد إسرائيلى بممر فيلادلفيا أو معبر رفح.
ولهذا لا بد أن نقول كان الله فى عون المفاوض العربى، والمصرى تحديدا لأنه بالفعل يتعامل مع كيان لا كلمة له ولا عهد، دائما ينقض أى عهد، وهذا الأمر ليس مرتبطا بعصرنا الحالى فقط، لكن منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
هل الأزمة فى ممر فيلادلفيا فقط بالتأكيد لا، لكن نتانياهو يستخدم ممر فلادلفيا الآن كمسمار جحا الذى يخرب به المفاوضات، وهذا سلوك اعتاد عليه قادة الكيان الصهيونى على طول مسارات التفاوض مع العرب عموما، البحث عن ثغرة لتخريب المفاوضات، فقد شهدت المنطقة قبل الاعتداء على غزة والذى جاوز شهره الحادى عشر تقريبا، عددا ليس بالقليل من المفاوضات من أجل تجنب ويلات الحرب وكوارثها، ولو تحدثنا فقط عن الحرب الدائرة الآن على غزة سوف نجد أسبابا مختلفة دفعت الراغبين فى السلام إلى المطالبة بالجلوس على مقاعد التفاوض، فى المقام الأول من أجل وقف القصف الجوى، ووقف إطلاق الصواريخ على الأبرياء، وتمكين دخول المساعدات الدولية من طعام وشراب ودواء، أيضا يهدف المتفاوضون إلى إجلاء جثث الشهداء، وعلاج المصابين، وفتح المعابر.
اعتاد مفاوضى الكيان الصهيونى على المبادرة بنقض أى اتفاق، وفى أحيان كثيرة كانوا ينسحبون عقب بداية المفاوضات، حتى يتهربوا من أى اتفاق، وكأنهم فى نزهة أو يجلسون على مقهى وليس جلسة تفاوض لحل أزمة مع قامات عربية كبيرة، جاءت للقاهرة أو للدوحة أو للرياض لا لشىء، إلا لوقف الدمار ومنع إراقة المزيد من الدماء فى منطقتنا العربية.
لذلك أقول كان الله فى عون المفاوض المصرى والعربى، وأتصور أن كل الحضور من المفاوضين العرب فى تلك الجلسات يتمتعون بحنكة سياسية كبيرة وقدرة هائلة على ضبط النفس، من أجل تفويت الفرصة على هذا الكيان الذى يرسل شخصيات لمائدة المفاوضات لا هم لها سوى المراوغة وافتعال الأزمات، ناهيك عن أنهم فى الغالب منزوعو الصلاحيات، ليس لديهم صلاحية القرار على مائدة التفاوض والتى حرص نتانياهو على أن تكون بيده وحده، ولذلك يرسل وفودا للجلوس بشكل رمزى ليس إلا، حتى لا يخرج أى اجتماع بنقاط محدده تخدم الجميع.
القاهرة الدوحة ثم الدوحة القاهرة، باريس، روما، الدوحة، القاهرة، جولات وجولات كلها عناوين عن انطلاق مفاوضات شبه أسبوعية وربما يومية، حتى إننا فى الإعلام من كثرة تلك الجلسات أحيانا يختلط علينا الأمر، هل تلك المفاوضات الدائرة جديدة أم أنها دائرة من قبل ويتم استكمالها.
أشفق على المفاوض العربى من حجج إسرائيل وافتعال الأزمات، لكننا دائما على ثقة بقدرة المفاوض العربى وحنكته وخبرته فى التعامل مع ألاعيب الكيان، دائما يضع المفاوض العربى مصلحة القضية الفلسطينية والأمة العربية نصب عينه، وبالتالى قد يتقبل أحيانا من الطرف الآخر بعض الأمور غير العقلانية على سبيل التمرير المؤقت من أجل هدف أكبر لصالح قضيتنا الأم، القضية الفلسطينية.
تاريخ إسرائيل مع المفاوضات معروف، ملىء بالأكاذيب، والمراوغات، وافتعال الأزمات والادعاءات، الحقيقة عندهم دائما غائبة، هم يبعثرون الأوراق كقطع الدومينو، كلما شعروا أن الجلسة سوف تسفر عن شىء إيجابى لصالح الطرف الفلسطينى أو العربى.
الإسرائيلى دائما لا يهمه الوقت، ولا يهمه سفك الدماء، ولا يهمه أن يعم الدمار والخراب فى المنطقة، لانه يجد المساعدات الأمريكية والغربية تأتى إليه فى الوقت المناسب، بينما دولة بحجم مصر بسبب هذا الصراع الدائر فى المنطقة تعرضت لخسائر اقتصادية كبيرة، أهمها تأثر عائدات قناة السويس، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد البترولية وما نتج عنها من تأثر سلع أخرى مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بها.
إسرائيل نفسها تأثرت اقتصاديا بتلك الحرب، خاصة مع فتح الجبهات مع حدود لبنان وقطاع غزة والضفة الغربية، لكن المنقذ لهم دائما وجود «ماما أمريكا» التى تدعم ولو بشكل غير مباشر رغبة نتانياهو فى مواصلة الحرب والقتل، والدمار.
التاريخ يقول لا عهد لهم، والتاريخ يقول أيضا إن المفاوض المصرى صلب، ويتمتع بذكاء ودهاء ولا يمكن خداعه بسهولة، لذلك مهما صنعت إسرائيل من محاولات لمد أمد الحرب، من خلال مراوغات فالمفاوض المصرى والعربى، أهل للتصدى لمثل هذه المراوغات، لأنه جاء إلى تلك المفاوضات من أجل الحل، وبالتالى تحلى بالصبر وقوة العزيمة وضبط النفس، وفى نفس الوقت هو يعلم لماذا جاء؟
تظل مصر برجالها حائط الصد ضد كل ما يضعه الكيان الصهيونى من عراقيل.
مصر دائما تسعى إلى التفاوض العادل وتعلى لغة الحوار، ومثل كل هذه المعارك نخرج منها منتصرين بإذن الله.