مع انطلاق برنامج الدبلوماسي الاقتصادي المعتمد لعام 2024، ألقى شخصيتان مؤثرتان – الخبير الاقتصادي جيفري ساكس والسفير إيسياكا عبد القادر إمام، الأمين العام لمجموعة الثماني للتنمية (منظمة دولية ديناميكية وأقل شهرة ولكنها شديدة التأثير) – خطابات مؤثرة سلطت الضوء على الدور الحاسم للدبلوماسية الاقتصادية في إفريقيا والتنمية العالمية.
قدمت رؤاهم، مع التركيز على جوانب مختلفة، رؤية موحدة لكيفية تمكن التعاون الاستراتيجي والاستثمار والدبلوماسية من معالجة التحديات العالمية ودفع النمو المستدام.
جيفري ساكس حول إمكانات التنمية في إفريقيا
قام جيفري ساكس، وهو ربما الخبير الاقتصادي الأكثر نفوذًا في عصرنا، برسم أوجه تشابه بين موقف إفريقيا الحالي وتحول الصين من دولة منخفضة الدخل إلى دولة مرتفعة الدخل، وزعم أن إفريقيا، بسكانها ومواردها الهائلة، يمكن أن تكرر نجاح الصين من خلال تبني استراتيجيات مماثلة، ودمج أسواقها، والمشاركة بشكل أكثر نشاطًا في الدبلوماسية الاقتصادية العالمية.
بدأ البروفيسور ساكس كلمته بالإشارة إلى أوجه التشابه الديموغرافية والاقتصادية بين إفريقيا والصين، حيث يبلغ عدد سكان إفريقيا نحو 1.5 مليار نسمة وهو ما يتطابق بشكل وثيق مع عدد سكان الصين والهند، وعلى الرغم من هذا، فإن إفريقيا بدأت للتو رحلتها نحو النمو الاقتصادي، على عكس الصين والهند، اللتين كانتا تنمو بسرعة لعقود من الزمن.
وعزا ساكس صعود الصين إلى التدابير السياسية الاستراتيجية، والاستثمارات الضخمة في البنية الأساسية، والتحسينات الكبيرة في رأس المال البشري ــ وهي العناصر التي اعتبرها ضرورية لتنمية إفريقيا.
كان الموضوع الرئيسي في خطاب ساكس هو ضرورة توحيد إفريقيا في إطار اقتصادي وسياسي مشترك، واقترح أنه من خلال دمج أسواقها وسياساتها، يمكن لإفريقيا إنشاء سوق داخلية كبيرة، والتي ستكون الأساس للنمو الاقتصادي المستدام.
وتصور مستقبلًا تعمل فيه إفريقيا تحت “سماء واحدة”؛ مع سياسات النقل والطاقة والتجارة المتكاملة التي تمكن القارة من العمل ككيان متماسك، وزعم أن مثل هذا التوحيد من شأنه أن يوسع السوق الداخلية لإفريقيا ويعزز نفوذها الدبلوماسي على الصعيد العالمي.
وأقر البروفيسور بالتحديات التي يفرضها تجزئة إفريقيا إلى 54 دولة، ولكل منها عقبات فريدة وإرث استعماري، ومع ذلك، ظل متفائلًا بأن إفريقيا قادرة على التغلب على هذه التحديات بالسياسات الصحيحة وجهود التكامل، وسلط الضوء على إدراج الاتحاد الأفريقي مؤخرًا في مجموعة العشرين (بناء على إصراره الشخصي مع رئيس الوزراء مودي خلال رئاسة الهند لمجموعة العشرين) كخطوة مهمة نحو الاعتراف العالمي بإفريقيا، لكنه أكد أن هذه ليست سوى البداية، وأكد ساكس، أن السياسات الطموحة التي تهدف إلى تكامل السوق وتطوير البنية الأساسية تشكل أهمية حاسمة لوضع إفريقيا كلاعب اقتصادي عالمي رئيسي.
البنية الأساسية ورأس المال البشري والوصول المالي
حدد ساكس المحركات الرئيسية لتنمية إفريقيا: الاستثمار في البنية الأساسية، وتنمية رأس المال البشري، وتحسين الوصول المالي، وأكد أن البنية الأساسية حيوية للتجارة، والاتصال، والوصول إلى الموارد، داعيًا إلى استثمارات كبيرة في الكهرباء، وشبكات النقل، والاتصالات عبر الألياف الضوئية.
هذه الاستثمارات ضرورية لضمان ربط جميع أجزاء إفريقيا ومشاركتها في الاقتصاد العالمي.
كان تطوير رأس المال البشري أولوية أخرى لساكس، وزعم أن مستوى التعليم يحدد إلى حد كبير النجاح الاقتصادي للبلد، حاليًا، يبلغ متوسط التعليم في إفريقيا نحو ست سنوات، وهو ما لا يكفي لخلق قوة عاملة تنافسية، واقترح ساكس زيادة التعليم إلى متوسط لا يقل عن 14 عامًا، وهو ما يعتقد أنه أمر بالغ الأهمية لدفع الابتكار والنمو الاقتصادي.
وفي معرض حديثه عن الوصول المالي، أشار إلى أنه في حين يمكن لدول مثل إيطاليا والولايات المتحدة الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة على الرغم من ارتفاع نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، فإن الدول الأفريقية تواجه تكاليف اقتراض أعلى، وبدلًا من الدعوة إلى إلغاء الديون، اقترح ساكس، السماح لإفريقيا بالاقتراض بأسعار مواتية مماثلة لتلك التي تتمتع بها البلدان المتقدمة، وهذا من شأنه أن يمكن الدول الأفريقية من تمويل أهدافها الإنمائية دون تراكم ديون غير مستدامة.
الشراكات العالمية ودور الدبلوماسية الاقتصادية
أكد كل من ساكس والسفير إيسياكا على أهمية الشراكات العالمية في تحقيق أهدافهما، وأكد ساكس أن إفريقيا يجب أن تبني شراكات قوية مع القوى العالمية مثل الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وحدد الصين ليس فقط كنموذج يحتذى به ولكن كشريك حاسم في نمو إفريقيا، داعيًا إلى التعاون المتبادل المنفعة.
كما ناقش رؤيته لعالم متعدد الأقطاب، حيث تتمتع مناطق مثل إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا بنفوذ كبير، ودعا إلى اقتصاد عالمي تعاوني حيث لا تهيمن منطقة واحدة، وأكد أن التعاون العالمي ضروري لمعالجة التحديات مثل تغير المناخ والفقر وعدم المساواة، وينبغي لإفريقيا، بإمكانياتها الهائلة، أن تكون جزءًا لا يتجزأ من هذا الجهد التعاوني.
منظمة الدول الثماني للتعاون الاقتصادي
قدم السفير إيسياكا عبد القادر إمام، الأمين العام لمنظمة الدول الثماني للتعاون الاقتصادي، منظورًا تكميليًا للدبلوماسية الاقتصادية، وفي حديثه من مقر منظمة الدول الثماني للتعاون الاقتصادي في إسطنبول، سلط إيسياكا، الضوء على الأهمية المتزايدة للدبلوماسية الاقتصادية في ظل الاضطرابات العالمية الناجمة عن جائحة كوفيد-19 والأزمات الجيوسياسية، وأشاد ببرنامج التنمية الاقتصادية المجتمعية لتزويد الدبلوماسيين بالمهارات الأساسية للتنقل بين هذه التعقيدات.
وتهدف منظمة الدول الثماني للتعاون الاقتصادي، التي تضم بنجلاديش ومصر وإندونيسيا وإيران وماليزيا ونيجيريا وباكستان وتركيا، إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين أعضائها، وتعزيز مواقفهم الاقتصادية العالمية، وخلق فرص تجارية جديدة.
وأكد السفير إيسياكا، على مهمة المنظمة لتحسين المشاركة في صنع القرار الدولي ورفع مستويات المعيشة، مع عدد سكان يبلغ 1.3 مليار نسمة وناتج محلي إجمالي نما من 1.3 تريليون دولار إلى ما يقرب من 5 تريليون دولار، تتمتع دول الدول الثماني للتعاون الاقتصادي بإمكانات اقتصادية كبيرة.