الوسيلة التعليمية تفاقم الأعباء.. قرار تحويل التابلت إلى «عُهدة» يثير غضب أهالي طلاب الثانوية العامة

أثار قرار وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف القاضي باعتبار تابلت الثانوية العامة «عُهدة» يجب إعادتها للوزارة بنهاية المرحلة الثانوية، موجة غضب واستياء بين الطلاب وأولياء الأمور. جاء هذا القرار ليشمل طلاب الصف الأول الثانوي في العام الدراسي الحالي، ويُلزم الطلاب بدفع قيمة التابلت في حال فقدانه أو تلفه، ما دفع العديد من الأطراف المعنية إلى الاعتراض بشدة على هذه الخطوة.

يأتي هذا فيما تعيش المنظومة التعليمية حالة من الجدل حول مدى جدوى استخدام التكنولوجيا في التعليم، وتطالب أصوات عديدة من الطلاب وأولياء الأمور الوزارة بالعودة إلى النظام التقليدي للامتحانات الورقية وإلغاء التابلت بشكل كامل، فضلًا عن إعادة الكتاب المدرسي إلى الساحة التعليمية باعتباره جزءًا أساسيًا من العملية التعليمية. ورغم التأكيدات الرسمية على أن القرار يهدف إلى تعزيز الرقابة على توزيع التابلت وضمان عدم استخدامه لأغراض شخصية، إلا أن التفسير لم يخفف من حدة الانتقادات التي تطالب بتقديم حلول أكثر مرونة ومتوازنة بين تقنيات العصر ومتطلبات الطلاب.

عبرت هويدا إبراهيم (ولي أمر أحد الطلاب) عن استيائها الشديد من قرار إعادة التابلت، قائلة: والله مش عايزينه، ياريت استلامه يكون اختياري. القرار غير مدروس بما يكفي. مشاكل التابلت لا تنتهي، خاصة أن بعض الطلاب يقومون بعد استلام الأجهزة بتعديل النظام الخاص بها، فضلًا عن تحميل أفلام وألعاب من اليوتيوب مما يُفقد التابلت جزءًا من فاعليته التعليمية.

دعت، غادة النوبى (ولي أمر) بإلغاء التابلت نظرًا للعبء الكبير الذي يتحمله أولياء الأمور في مسئولية تسليم الأجهزة بنفس حالتها التي استُلمت عليها، مشيرة إلى أن بعض الطلاب قد يهملون في استخدام الجهاز أو يتسببون في تلفه. وأكدت النوبى أن هذا القرار قد يخلق تحديات إضافية على الأسر، بما في ذلك الضغط النفسي والمالي الناجم عن الحفاظ على الجهاز في حالة جيدة طوال فترة الدراسة.

من جانب آخر، أشارت هويدا إلى العبء المالي الكبير الذي يتحمله ولي الأمر، بما في ذلك تكلفة الصيانة والتأمين على الأجهزة، في وقتٍ يواجه فيه المجتمع تحديات اقتصادية صعبة. أما أميرة يونس (مؤسس جروب مصر والتعليم)، فقد أكدت أن فكرة التابلت كعهدة مرفوضة تمامًا من قبل أولياء الأمور.

أوضحت أن ابنها قد تسلم التابلت العام الماضي، وتعلم جيدًا كم المشكلات التي واجهته في التعامل مع الجهاز، مضيفةً أن من الصعب استلام التابلت بعد ثلاث سنوات بحالته التي تم استلامه عليها، وهو ما يعكس نظرة أولياء الأمور تجاه قلة الاستفادة من التابلت في ظل المشاكل المتزايدة التي ترافقه.

تطالب، رودى أحمد (أدمن جروب حوار مجتمعي تربوي) بضرورة تطوير الكتاب المدرسي ليصبح منافسًا حقيقيًا لتقنيات التابلت، مؤكدة على ضرورة توفيره بشكل موسع لضمان تكافؤ الفرص بين جميع الطلاب. وأوضحت أن توزيع التابلت يقتصر حاليًا على طلاب المدارس الحكومية والتجريبية، دون أن يشمل الطلاب في المدارس الخاصة أو الخدمات والمنازل، وهو ما يزيد من الفجوة التعليمية بين مختلف فئات الطلاب.

اعتبرت فاطمة فتحى (مؤسس جروب تعليم بلا حدود) أن التابلت قد أصبح عبئًا على الطلاب وأسرهم، مشيرة إلى أن جزءًا كبيرًا من طلاب الثانوية العامة يؤدون الامتحانات الورقية، خصوصًا في المدارس الخاصة والخدمات والمنازل، لأنهم لم يتسلموا التابلت. وأوضحت أن الأولى في هذه الحالة هو إلغاء التابلت بشكل كامل وتوجيه الأموال التي يتم صرفها على توفير الأجهزة إلى إعادة طباعة الكتب المدرسية، وتوفير الامتحانات التدريبية على البابل شيت استعدادًا للامتحانات.

أما منى أبو غالى (مؤسس جروب حوار مجتمعي تربوي) فبينت أن قرار إعادة التابلت كان متوقعًا بسبب الأزمة المالية التي تمر بها وزارة التربية والتعليم وعدم قدرتها على توفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد الأجهزة، مشيرة إلى أن الوزارة بدأت منذ العام الماضي في عدم تسليم طلاب المدارس الخاصة أو الخدمات التابلت. واقترحت أبو غالى أن يتم منح الطلاب حرية الاختيار في استلام التابلت، مع الموافقة على شروط إرجاعه، لتفادي إلزامهم بالجهاز إذا كانوا لا يحتاجونه.

في السياق ذاته، اعتبرت أماني الشريف (أدمن جروب حوار مجتمعي تربوي) أن إلزام الطالب بإرجاع التابلت للوزارة مع شهادة من الوكيل المعتمد بصلاحية الجهاز هو أمر صعب التحقيق، مشيرة إلى أن السماعات والجراب والقلم الخاص بالتابلت لا يمكن أن تظل في حالتها الأصلية بعد فترة من الاستخدام، وأكدت أن هذا سيجعل رب الأسرة مضطرًا لشراء بدائل من التوكيل، مما سيضاعف الأعباء المالية على الأسرة، ويجعل الطلاب يفضلون عدم استخدام التابلت طوال فترة الدراسة خوفًا من تحمل تكاليف تلف الأجهزة.

يتفق مصطفى شندي (مدرس وولي أمر) مع الرأي القائل بضرورة إلغاء التابلت، حيث أكد أنه سيظل محتفظًا بالتابلت الخاص بابنته، الطالبة بالصف الأول الثانوي، حتى لا يتعرض للتلف لحين عودته للمدرسة مرة أخرى، وبذلك، يعكس شندي حالة القلق التي يشعر بها أولياء الأمور من التعرض للمسئولية المالية إذا حدث أي ضرر للجهاز، وهو ما يساهم في إضعاف الغرض التعليمي من استخدام التابلت.

يرى مايكل فوزي (مدرس كمبيوتر بإحدى المدارس الحكومية) أن التابلت الجديد يختلف تمامًا عن الأجهزة السابقة من حيث البرمجة المتقدمة، التي يمكن أن تكون مفيدة في تدريس المواد الخاصة بالبرمجة والذكاء الاصطناعي في المستقبل. ويؤكد فوزي أنه يجب علينا الانتظار لمعرفة مدى جدوى تلك البرامج التعليمية في التابلت، خاصة أن قرار استرجاع الأجهزة من الطلاب قد يوفر مبالغ ضخمة يمكن استثمارها في تحديث البنية التكنولوجية في المدارس، وهو ما يعزز الاستعداد لمواكبة مجالات البرمجة والذكاء الاصطناعي التي سيُدرس بعضها في المستقبل القريب.

في المقابل، يرى الخبير التربوي، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس، د.تامر شوقي، أن قرار إعادة التابلت للطلاب مجددًا يعد صائبًا في ظل الظروف الحالية، على الرغم من أنه يفضل إلغاء التابلت بشكل كامل. ويوضح شوقي أن التابلت أصبح يشكل عبئًا كبيرًا على الدولة خاصة بعد ارتفاع قيمة الدولار، مما جعل تكلفة الأجهزة باهظة، وسبب ضغوطًا اقتصادية هائلة. كما يشير إلى أن العديد من الطلاب لا يستفيدون من التابلت بشكل حقيقي، حيث يفضلون الاعتماد على المصادر الورقية في المذاكرة.

يضيف شوقي أن غالبية الطلاب يمتلكون بالفعل أجهزة رقمية أخرى، مما يجعل التابلت غير ضروري لهم في كثير من الأحيان. وأشار إلى أن مشكلات التابلت الفنية قد دفعت العديد من الطلاب لبيع أجهزتهم، في ظل الاستخدام المحدود لها، خاصة أن التابلت يقتصر استخدامه على امتحانات الصفين الأول والثاني الثانوي دون الصف الثالث، مما يقلل من جدوى توزيعه المجاني. كما أن عدم عقد امتحانات نهاية العام بشكل إلكتروني يجعل استخدام التابلت غير مفيد في الصف الثالث الثانوي. وأوضح شوقي أن منح التابلت على سبيل العهدة قد يؤدي إلى عدم استخدامه من قبل الطلاب خوفًا من تعرضه للتلف، مما يجعله يظل في حالة غير مستغلة تمامً