حماية العقول.. من فاقديها ١-٢ (السرقات الأدبية أنموذجًا)

لا يساورنى شك فى أن هذا الموضوع من الموضوعات المهمة، ليس هذا وحسب وإنما من الموضوعات الشائقة الشائكة.
لماذا؟!
لتفشى هذه الظاهرة بصورة كبيرة، ليس فى السرقات الأدبية سواء بسرقة نص نثرى عمودى، أو حتى سرقة خاطرة، أو قصة أدبية دون توثيق المصدر الذى استقى منه، دونما الإشارة إلى مؤلفة حتى ولو عن طريق الاقتباس.
ليس الأمر مقصورا على الأدب بل بات جليا أن هذه الظاهرة استشرى خطرها وانتشر فى كافة مناحى الحياة الثقافية والسياسية والإعلامية، بل واشتد خطرها فى البحث العلمى الأكاديمى فكثير ما ندعى لمناقشة رسائل علمية وتجد ما يسمى بالباحث، نعم فهو ليس باحث بحاث إنما هو لص ليس محترفا لماذا، لأنك لأول وهلة عندما تراجع هذه النصوص أولا تجده ليس موثقها فى الحواشى، ليس ثمة إشارة ولو حتى عن طريق الاقتباس إلى مصدر هذه النصوص وبتدقيق القراءة تجد أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون رؤيته ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون فكره يتضح ذلك جليا من مجريات وقائع مناقشته، ودليلى على ذلك، أنه ذات مرة ناقشت طالب وللأسف استشهد برأى فى قضية فلسفية دون أن يشير إلى صاحبه، وقدرا كان هذا الرأى لى شخصياً كنت قد دونته فى إحدى مؤلفاتى وبمواجهته، اضطرب ولم يستطع الرد على.
لماذا لأنه ليس فكره، ليس عقله الذى يكتب وإنما وظف عقله فى الغش والسرقة والانتحال دون إشارة.
فالبحث العلمى لا يعرف مثل هذه الأمور، البحث العلمى يلتزم بالصرامة والدقة والعقلانية، وإلا لو تسامحنا مع هؤلاء فماذا سنخرج، هب أن المتقدم للمنح درجة دكتوراه أو ماجستير وطبطبنا على هذا السارق الذى رضى لنفسه هذا الأمر، ماذا سيصبح.
بالحتمية المنطقية سيصبح عضوا فاسدا فى المجتمع، حتى وإن أصبح عضو هيئة تدريس، من الذى سيتخرج من تحت يديه، طالب سارق أيضا، لماذا لأن فاقد الشيئ لا يعطيه.
إذن لابد من التصدى لهذه الظاهرة بكل ما أوتينا من قوة، ولابد من التوصية بتفعيل دور الأجهزة الرقابية بحفظ حقوق الملكية الفكرية باستصدار أرقام إيداعات دولية لتحفظ للمؤلف حقه وحتى لا تجعله عرضة للسرقات.
ليس فى مجال البحث العلمى فقط، بل فى شتى صنوف المعاملات. 
وهناك من يسرق مقالا على الرغم من أنه قد يكون موثقا على محرك جوجل، وحدث ذلك معى، أقلب صفحات الفيس بوك وافاجأ بلص سرق مقالتى فى فلسفة القرآن الكريم، ونسبها لنفسه، وكم ثناء منقطع النظير على هذه المقالة ونشرها على موقع يسمى كذا دون ذكره، ودخلت على هذا الموقع وأرسلت لهم رابط مقالتى، فافتضح أمره، والنتيجة المتوقعة طردوه من المجموعة.
السرقات برمتها سواء أدبية أو ثقافية، أو علمية أو دينية، أو اقتصادية، أو سياسية، جميعها أفعال مشينة تشين صاحبها وفاعلها وتفقده ذاته وتجعله منسحقا قيميا أمام مجتمعه إذا ما افتضح أمره، وسيفتضح ولو بعد حين.
إذا أردنا حقا نهضة على كافة المستويات واصلاحا حقيقيا فلابد من الوقوف جنبا إلى جنب فى وجه أمثال هؤلاء، وقوف ممنهج بضوابط علمية رصينة، وأهمها توصيات فى ندوات ومؤتمرات تعقد فى هذا الشأن، وهذه التوصيات لا توضع فى الأدراج وإنما تفعل وترسل لأولى الأمر حتى يتخذوا الإجراءات الاحترازية الصحيحة.
حماية فكرنا من هذه الفئات والعناصر الضآلة المضلة التى ليس لها هدف اللهم إلا إثارة الفوضى ونشر الرذيلة فى المجتمعات،واختتم حديثى بقوله تعالى.(إن الله لا يصلح عمل المفسدين).
وأشد انواع الفساد والإفساد، فساد العقول وافسادها.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.