رفعت العملية المخابراتية الإسرائيلية والمعروفة بأجهزتى «البيجر» واللاسلكى يومى 17 و18 سبتمبر، أسهم جهاز الموساد لتفردها عالميًا فى نوعيتها وعدد المصابين وفُجائيتها وتكرارها فى اليوم التالى من «البيجر إلى اللاسلكى» والذى تحولت فيه الخسائر من فردية «العيون والأذرع والسيقان» إلى عامة «حرق منازل وسيارات وشوارع»!
وما أعقبها بساعات قليلة، القضاء على فريق كامل باحتياطيه 16 لاعبًا من فرقة الرضوان، فريق النخبة لحزب الله فى عملية فريدة ما زال العالم بين الانبهار والصدمة لم يفِق منها بعد!
ومع التسليم بعاملين رئيسيين ساهما فى نجاح العملية الفريدة -المختلفة عما سبقها من تصفية قادة سياسيين وعسكريين من حماس وحزب الله- وهما: تواضع المنافس «حزب الله» تقنيًا وعسكريًا مقارنة بخبرات مخابراتية عالمية تتمتع بها إسرائيل وآلة حرب عسكرية أيضا، والثانى دور العامل البشرى «الإسرائيلى» المتفوق بتسلحه بآخر ما وصل إليه العلم «والبيئة البشرية» الخصبة التى ساهمت فى التفوق المخابراتى الإسرائيلى المتمثل فى «عملاء خونة» من البيئة المحيطة وداخل البيت نفسه خاصة «الضاحية الجنوبية»، هذا العامل ساعد إسرائيل فى سرعة التجنيد للعملاء، مع الجزم بصعوبة كشفهم لغياب الأدوات «المساعدة» للحزب فى مهمته، وإغراء مالى يسيل له اللعاب، وعزز عمل الموساد البيئة المعادية للحزب كقوة بطش تفرض أمرًا واقعًا بإشهار السلاح، رغم أنها بيئة منتمية للطائفة الشيعية أفرزت ضغينة وحقدا – من القريب والبعيد- وصلت لـ الدائرة الضيقة وجعلت البعض يتمنى الخلاص من الحزب وقادته حتى لو رفع شعار تحرير شِبْعا والقدس!
ناهيك عن الوضع المادى المتأزم بلبنان والذى يزيد من فرص تجنيد العملاء مع الإغراء المادى والجنسى، والتهديد بفضح أمرهم حال عدم تعاونهم، وهى مهمة ليست سهلة فى كسب وتجنيد العميل وتدريبه، وضمان إخلاصه وتغذيته المعلوماتية فى توقيتها ودقتها ونتائجها، مهارات وأدوات لا يملكها إلّا القليل.
وما يُبرهن على أهمية دور «العملاء» فى حسم معارك على مدار التاريخ والذى لا يقل عن أهمية التفوق التقنى، فشل إسرائيل فى الإمساك برموز وقيادة حماس داخل غزة كـ يحيى السنوار والذين يمثلون صداعا فى رأس نتنياهو، رغم أن إسرائيل مسيطرة على القطاع عكس مناطق حزب الله – لعدم استعانة السنوار ورفاقه بـ وسائل اتصالات حديثة والابتعاد عن الأعين» العامل البشرى « العملاء».
ما حدث من مسلسلات وأفلام «مخابراتية» إسرائيلية طوال الشهور الماضية تشبه أفلام هوليود الخيالية، وتبرز أهمية «الدور المخابراتى»، والذى يحسم كثيرًا مصير شعوب ودول، فجمع المعلومة وتحليلها، والتعامل مع مفرداتها بمهارة ينهض بالشعوب، وتنهار دول أخرى لغياب فن الحصول على المعلومات، وكيفية استخدامها للاستمرار والبقاء مزدهرة وسط الأمم.
ليس من صالحنا التقليل من إسرائيل، وإسناد كل النجاح لـ أمريكا ودعمها فقط.. فكم من دول لديها سبل التفوق وتاهت وسط الزحام.. سر تفوق إسرائيل اهتمامها بالعقل والتقنيات والقلق الدائم «الإيجابى» من الانهيار والزوال الذى منحها الانتصار سلمًا وحربًا، وميزها اقتصاديًا رغم حجم مساحتها «المغتصبة من فلسطين»، فهى متفوقة سيبرانيا، وتصنيعيا، وعسكريا، وفضائيا، وذكاءً اصطناعيًا، وتقنية زراعية وطبية، ولا عزاء لمن لا يملك القوة!