مئوية فؤاد المهندس

لا أظن أن هناك فنانا مصريًا نثر كل هذه البهجة فى صدور ملايين الناس بامتداد نصف قرن مثلما فعل فؤاد المهندس، فالرجل لم يكتف بإمتاع الكبار فقط من الرجال والنساء، بل عمل بجدية على إمتاع الصغار من الأولاد والبنات، فحين ترى فؤاد المهندس فى المسرح أو على الشاشة أو تسمعه عبر الإذاعة تعتريك فرحة غامرة وسعادة ملونة، ذلك أنه مشحون بطاقة فنية إبداعية جبارة تتفجر مياهها العذبة لتسرى بيسر فى أنفس الجماهير.

قبل قرن من الزمان ولد فؤاد المهندس، وبالتحديد فى 6 سبتمبر 1924، لأب من قادة التنوير فى مصرنا الحبيبة هو زكى بك المهندس (1887/ 1976) عميد كلية دار العلوم.

ورث فؤاد عن أبيه عشق اللغة العربية، وأرجو أن تلاحظ كيف كان هذا الفنان العظيم يعطى كل حرف حقه فى الأداء، ومتى يضغط على حرف أو يمد فى آخر كى يحدث مفعوله فى المشاهد. فعلى سبيل المثال حاول الاستماع إلى فوزاير (عمو فؤاد) مرة أخرى، لتكتشف براعة المهندس فى طرح الفزورة بنبرات محددة وحروف ساطعة، بحيث تتسلل إلى الأذن بسهولة وجمال.

الكل يعرف أن المسرح هو الملعب الأثير للمهندس، ومن حسن الطالع أننا شاهدنا عشرات الحوارات التليفزيونية مع الرجل الذى تحدث فيها عن هيامه بالمسرح وبأستاذه العظيم الأول نجيب الريحانى كبيرهم الذى علمهم سحر الفن.

بالنسبة لى أضع مسرحياته فى الستينيات فى أكرم ركن فى قلبي، وإذا شاهدت أيًا منها حتى الآن لا أتمالك نفسى من الانفعال بها والاستمتاع بأفعاله وردود أفعاله ونظراته وتعليقاته وحركة جسده. وبالمناسبة، فؤد المهندس يمتلك جسدًا مطواعًا عجيبًا قادرًا على (تليينه) بشكل مدهش.

من تلك المسرحيات البديعة (السكرتير الفني/ أنا وهو وهي/ أنا وهو وسموه/ أنا فين وأنت فين/ حواء الساعة 12/ حالة حب/ سيدتى الجميلة).

أما السينما، فرحلته معها طويلة وعامرة تقترب من نصف القرن، حيث بدأ بدور صغير جدًا فى فيلم (زمن العجايب)، والذى عرض فى 23 يونيو 1952، ثم ارتقى إلى موقع الدور الثاني، ثم انطلق ليحتل البطولة المطلقة.

التقيت فؤاد المهندس مرتين: الأولى وأنا صبى فى صيف 1973، حين اصطحبنى شقيقى الأكبر المهندس فكري، رعى الله أيامه ولياليه، لمشاهدة مسرحية (جوليو ورومييت) لثلاثى أضواء المسرح المعروضة آنذاك فى مسرح الريحانى. عندما رأيت المهندس مقبلا على مدخل المسرح بأناقته المعهودة اعترتنى رجفة، وبتشجيع من أخى صافحته بقلب مرتعش وروح مذهول، فربت كتفى وسألنى عن اسمى ودراستى متمنيًا لى التوفيق.

أما المرة الثانية، فكانت عام 1984، وأنا فى السنة النهائية بكلية الفنون الجميلة بالزمالك. عند مسرح الزمالك أوقف سيارته ماركة BMW، وغادرها بكامل هيبته. صافحته وأبديت له إعجابي، فابتسم وشدّ على يدى بقوة، وتوجه نحو باب المسرح بجدية وهمة كقائد فرقة عسكرية.

فؤاد المهندس فنان عظيم. ولد فى رحاب ثورة 1919 وعظمتها، وتألق مع ثورة يوليو وانطلاقاتها.

لروحك السلام يا أستاذ فؤاد.